نظام الخدمة المدنية.. سلب للحقوق وقتل للإبداع
من الطرق المنطقية المتبعة دوليا والتي تعتبر من أفضل الممارسات في بناء أنظمة الخدمة المدنية أن يراعى العدد في القطاعات التي يطبق عليها النظام بحيث يكون تمثيلهم نسبيا عند وضع مواد أنظمة الخدمة المدنية وبالنظر إلى ذلك لا بد أن يؤخذ في عين الاعتبار أن وزارة التربية والتعليم تمثل أكثر من ثلث القطاع الحكومي كما تمثل أيضا ثلث مجلس الخدمة المدنية أو ما يقاربه.
إذا لا بد أن يؤخذ من الوزارة مجموعة من الممثلين الذين تنطبق عليهم أحكام النظام كي تكون مشاركتهم انعكاسا وتطبيقا لمواد النظام أكثر من كونها خبرة نظرية في وضع مواد النظام.
هذه هي الحالة المثالية، أما مجلس الخدمة المدنية في الأردن فتمثل وزارة التربية والتعليم بوزيرها فقط في الوقت الذي يفوق فيه عدد موظفي وزارة التربية 110 آلاف شخص وبالرغم من الكفاءة المشهودة للوزير من حيث الخبرة الإدارية والمالية وفي مجال الأنظمة إلا أن صوته مواز لصوت خبير في هذا المجلس وقد يكون اختيار هذا الخبير من أي مؤسسة أكاديمية حيث لم يطبق عليه نظام الخدمة المدنية طوال حياته.
كما أن الفترة التي مر بها وضع نظام الخدمة المدنية الحالي 2014 جاء بين فترتين من الوزراء مجموعة بدأت به ولم تعتمده ومجموعة اعتمدته ولم تبدأ به وهذا يشكل خللا واضحا في وضع مواد النظام.
واستكمالا لما تم عرضه في المقالة السابقة والتي كانت تتحدث حول الأحكام العرفية في نظام الخدمة المدنية نتساءل عن المادة 169 والتي تنص على ” إذا تغيب الموظف عن وظيفته دون إجازة قانونية أو عذر مشروع أو توقف أو امتنع عن تأدية مهام وظيفته فعليا لمدة 5 أيام عمل متصلة أو متقطعة خلال السنة ولا يعتبر الدخول إلى مكان العمل والخروج منه دواما فعليا ولو اقترن ذلك بتوقيع الموظف على سجل الدوام”.
أي أن المادة فصلت تماما على مقاس الإجراءات التي تم ممارستها من قبل المعلمين والأطباء والممرضين وغيرهم إلا أن جميع النقابات كانت سابقا تمارس هذه الإضرابات إلا أنه لم يتم استحداث مادة مشابهة إلا بعد ظهور نقابة المعلمين.
أضف إلى ذلك مادة 82 والتي تعتبر حكما بالإعدام مع النفاد على أي شكل من أشكال الإبداع والجد في العمل إذ ستنقلب الظروف حيث لن يتمنى أي موظف أن يأتيه ترفيع جوازي حتى يصل إلى الدرجة الأولى كي يستطيع الترفع إلى الدرجة الخاصة هذا إن لم يكن متقاعدا بسبب السن وذلك ضمن التدرج الآتي:
أولا: ينتظر الكثير من الزملاء في معظم التخصصات من 5 إلى 10 سنوات كي يحصل على التعيين إلا ما رحم ربي في التخصصات النادرة
ثانيا: يلتحق الزميل\الزميلة بالخدمة وقد شارف على الثلاثين من عمره
ثالثا: يعين الزميل في الدرجة السابقة ويتدرج ليصل إلى الثانية بعد أن يخدم في 5 درجات لكل منها 5 سنوات (مع الأخذ في الاعتبار أنه يكون قد خدم في الدرجة السابعة 3 سنوات وبذا يصبح المجموع 28 سنة)
رابعا: سيخدم الزميل في الدرجة الأولى 10 سنوات فيصبح المجموع الكلي (38 سنة)
خامسا: سيختصر من خدمة المعلم 4 سنوات في حالتين:
– إذا احتسب له ترفيع جوازي مرتين أو
– إذا تم ترفيعه في الدرجة الأولى مباشرة إلى الدرجة الخاصة، وبالتالي تصبح خدمة الزميل الفعلية 34 سنة
ضمن التدرج السابق إذا كانت الزميلة هي المعنية بالترفيع يجب أن يؤخذ في الاعتبار المعادلة التالية: 30 سنة منذ سن التعيين مضافا إليها 34 سنة في الخدمة = 64 سنة (علما أن سن التقاعد للزميلات 55 سنة) ما يعني أنها لن تصل مطلقا إلى هذه الدرجة وستبقى في أول الدرجة الأولى مهما كانت الظروف، أما الإخوة الزملاء فسيكون أفضل ما يمكن الوصول إليه بالنسبة لهم هو آخر الدرجة الأولى.
كم من الدافعية قتلت في هذا التسلسل وكم من الموظفين سيكون لديه دافع إذا كان يعلم أن الممتاز والجيد هما نفس المسار في سلم الترفيع.
أما المادة 102 والتي تنص على “لا يستحق الموظف إجازة سنوية في الحالات التالية …ب-إذا كان قد استفاد أو يستفيد من الإجازة الدراسية الصيفية” هذا يعني أن مدرسة مهنية مثلا سيحضر 9 من الكادر على الأقل يوميا طوال العطلتين الفصلية والسنوية.
ضمن هذا المنطق كيف يتم النظر في التكلفة المالية المترتبة على الموظفين في قطاع التعليم وما التكلفة المترتبة على الوزارة في استخدام مرافقها (ماء، كهرباء، حواسيب وغيرها) والأهم من ذلك أن يداوم موظف 6 ساعات دون إنجاز.
ثم أين الحضانات التي يمكن أن تخدم هذا العدد الكبير والمتناثر من المعلمات، إذا كان هذا الكادر هو لتقديم خدمات للمعلمين والطلاب ولم يكن أي منهم موجودا والمطلوب منه أن ينتظر طوال اليوم مراجعا كي يحصل على وثيقة لماذا التمسك بالحرفية وتبقى النصوص ثابتة ويأتي كل وزير هذا يفعلها وهذا يعطلها، من عطلها فقد عطل مادة قانونية ولكن وفر على الدولة وموظفيها، ومن فعلها حافظ على القانون واستنزف المعلمين وموارد الدولة، أمران أحلاهما مر.