حرق الأعلام والصّوَر
دأبَ بعض المُشاركين في المسيرات أو الأعتصامات على حرق أعلام بعض الدّول تعبيرا عن سُخطهم وعدم رضاهم عن سياسات تلك الدّول واستنكارا لمواقفها الّتي تتّخذها إزاء قضايانا ومساندة أعداءنا ، بل يحدث ذلك ضد دول لأن أحد مواطنيها قام بعمل لا نرتضيه ولا يتوافق مع قيمنا أو عقيدتنا .
فالعَلَم ليس مجرد قطعة قماش بمقاساتٍ معينة وألوان محدّدة ، يعلو الوزارات والمكاتب ، ويُرفع في المناسبات والاحتفالات وفوق المؤسسات ، وتُزيّن به الصّدور . وتتزيّى به الصّبايا ويتزنّ به الشباب في الحفلات والمناسبات الوطنية والخاصّة . انه رمز الدّولة وعنوانها وشعارها . جزء هام من كرامتها الوطنية . محطّ إجماع المواطنين وفخارهم . يُدافعون عنه ويموتون من أجل بقاءه عالياُ خفّاقا . وهذا لا يختصّ به شعب دون شعب . إذ أن كلّ شعوب الأرض تعتز بأعلامها .
بل إنّ هناك أعلاما خاصّة لبعض الولايات والمدن والقبائل والأحزاب . ولأهميته وقيمته ودوره اتّخذت الأندية والفرق الرياضيّة لها أعلاما خاصّة ، يحرص عليها عشّاقها ومشجّعوها ، ويعتبرونها من مصادر الإلهام والتّشجيع للفرق و اللاعبين والمشّجعين . فأصبحت تلك الأعلام عابرة للقارّات ، مشهورة لدى الأنصار والمحبين أنّى تواجدوا .
ولقد كان للرّاية ( العَلَم ) في صدر الإسلام أهمية كبيرة . فقد حرص الرسول عليه الصلاة والسلام أن يكون للجيوش الإسلامية رايات أثناء توجهها للقتال ، ويتم تعيين حمَلة الراية ولمن تؤول في حال استشهاد حاملها . وكان المقاتلون يحرصون على أن لا تسقط الرّاية ، ويعتبرون ذلك دليل ضعف ومؤشّراً على هزيمة للجيش . لذلك كانوا يتحلّقون حولها يُقاتلون دونها بشجاعة ، كما أنّها كانت العنوان ووسيلة التّمايز بين الجيوش . وعليه استمر الحال في عهد الخلفاء الراشدين والدّول الإسلامية التي توالت على حكم العالم الإسلامي .
لا أدري السبب الذي يجعل من إحراق الأعلام فقرة ثابتة في كل فعاليّة . يُصبُّ جام الغضب عليه ، فنستعدي شعوباً ليس من مصلحتنا عداوتها . فالأعلام ليست للحكّام أو للحكومات وإنما للشعوب التي تعتز بأعلامها وتغضب للاعتداء عليها . فهل يُرضينا أن يقوم موتورٌ هنا أو هناك بالإساءة لعلمنا .
وكذا بالنسبة للصور ، فهي ليست مجرد قطعة من الكرتون أو القماش عليها صورة لإنسان ، تعبّر عنه وتحمل معالمه ، وبالتالي يكون الاعتداء عليها بأي شكل إساءة لصاحبها .
ومثل ذلك محاولة الإساءة للأفراد أو الهيئات ، بتغيير أسماءها أو تحريفها ، بقصد التحقير أو التقليل من شأنها . وما درى الفاعل أنه بفعلته يُسيء لنفسه أولاً وعاشراً قبل أن يُسيء للآخرين ،أو دون أن يُحقق الهدف الذي سعى إليه .
كل تلك التّصرفات ما هي إلا طريقة بائسة لتفريغ شحنة غضب بطريقة لا تؤدي الغرض منها ، فهناك طرق أكثر حضارية للتعبير عن غضبنا أو لإرسال رسالة بموقفنا دون الإساءة للأشخاص أو الدول ورموزها .