"تفشِّـي الأميَّة في مدارس وزارة التربيـة والتعليـم"
“بسـم الله الرحمـن الرحيـم”
“تفشِّـي الأميَّة في مدارس وزارة التربيـة والتعليـم”
بقلم: الأستاذ عبد الكريم فضلو العزام
إن ما صرح به معالي وزير التربية والتعليم قبل أسابيع من أن أكثر من مئة ألف طالب في الصفـوف الثلاثة الأولى هـم أميون يستحِـق مِنَّـا التأمُّـل والتّساؤل والمُراجعة لِكُـل مَسيرتنا التّعليميّـة بِمراحِلِهـا المُختلفـة وفي مرحلـة الصُّفوف الثَّلاثة الأولى مِنها بِخاصّـة.
إنّ الحَـديث في هذا الموضـوع مُتشعِّـب لِـدرجة يَحتار مَعها أي كاتِـب مِـن أين يبدأ وأين ينتهي، ولكنني سأتناول الموضوع باختصار للتَّخفيف على القارئ ومن خلال أفكار محدده أختصرها على شكل نقاط وتساؤلات هي ليست كل ما يقال في الموضوع.
أولاً: أقول لمعالي الوزيـر إنني أعتقد جازماً أن عدد الأمييـن في الصفوف الثلاثة الأولى أكثر مما صرحت به وأكثر من نتائج الدراسة التي اعتمدتها وهذا ما يَعرِفُـه كُـل من يعمل في الميدان ويَطَّلِـع على الواقِـع عن قُـرب.
ثانياً: عندما نقول الأمية هنا، فإنَّنا نَعني الأميَّـة بمعناها القديم (وهي جهـل الطَّلبة القراءة والكتابة) أي أن من نتحـدث عنهم لا يُميّـزون الحُـروف ولا يُحلّلون ولا يركبون ولا يقرأون ولا يكتُبُـون.
ثالثاً: نحـن جميعنا نعرِف أن اللُّغـة هي وعاء الثقافـة، فإذا كانت كذلك فكيـف يستطيع الطّالب الأمي في لغتِــه أن يُـتقِـن الحساب والعلوم ويستوعب التربية الاجتاعية والدينية وغيرها من مواد الدراسة.
رابعاً: أتساءل هنا؛ هل هذه الأمية طارِئة على مدارسنا وطلبتنا أم أنها متأصِّلة متجذِّرة في مدارِسنا تَخرَّج منها مئات الآلاف من الأمِّيِّيـن على مدى السنوات السابقة ورافقتهم أمِّيَّتـهم هذه في مُختلف مراحِـل دِراستهم.
إذا كان الأمر كذلك؛ أمية تضرب أطنابها تكاد تبتلِـع نِصف طلبتنا وأكثر من ذلك، وهي قديمة وحاضرة وتسبقنا إلى المستقبل؛ فماذا فعلت وستفعل وزارة التربية والتعليم لعلاج هذه الظاهرة؟
سننتظِـر وإنّ غداً لناظِـره قريـب.
معذرة أخي القارئ لتسمح لي أن أضَـع بعض المحطات التي قد تكون إشارات على طريق الحل:
1- في هذا المقام لا بد أن نتذكَّـر جميعاً المرحوم معالي الأستاذ حِـكمت السَّاكِـت التي تنبّـه لهذه المشكلة عام 1982 ووضع تعليمات تُساعد على علاج هذه المُعضلة، شارك فيها كل مُعلم ومشرف وذي علاقة بعمليـة التعليم وكانت نتائِجها مُميّـزة لكنّها لم تستمر إلا عاماً واحداً وانتهت بخروجِـه من الوزارة.
2- انتهت عملية مُعالجة ظاهرة الضعف والأمية في الصُّفـوف الثلاثة الأولى كما قلت بعد الأستاذ حكمت الساكت، ولكن لا بد أن أنصف شخصاً واحداً وأقول واحداً فقط دون أن أذكر اسمه ويعرفـه زملاؤه عندما عُيّـن مديـر تربية في منطقة ما؛ عاد وتبنّى هذا النهج فكان يُوجِّه أطقم مديريته لمتابعة الجانب الفني بقوة وخاصة الصفوف الثلاث الأولى حتى أنه كان يضع نسبة معينة قليلة للضِّعاف في كُـل صف وإذا تجاوز العدد هذه النسبة كان يُحاسب مُعلّـم الصّـف ويُوقع عليه العقوبة المُناسبة إلى درجةٍ أوصَل بها نفسَـه إلى المحاكم، لكنّـه لم يَكـل ولم يمل وظَـل يُـتابِـع ويُحاسِـب أكثر من عشـر سنوات من أجل الطلبة حتى ترك موقعه.
3- أعتقد أن ضعف الطلبة وأميتهـم في الصُّفـوف الثّلاثة الأولى إلى هذا الحد يتقاسم مسؤوليتها بالدرجة الأولى المُعلم ومن ثم المنهـج أو المناهِـج وبعدها الأسرة وظروف الحياة وهناك مُدخلات أخرى كالبيئة التعليمية وغيرها.
أ- كُلنا نعرف أن الطلبة الصغار يُـفترض أن يقرأوا كُـل شيء في المدرسة وأن يحلوا واجباتهم فيها مما يجعل المعلم المسؤول الأول عن مستوى أداء الطلبة وإتقان المهارات المطلوبة: وهذا يتطلب من المعلم ما يلي:
* الإعداد المُتقـن للدرس من حيث تحضير الوسائل التعليمية المناسبة ولوحات الخبرة والتفاعل مع الطلبة.
* توظيف الطّـرق الحديثة في التدريس.
* متابعة أعمال الطلاب والتقويم المستمر لأدائهم وتعديل سلوكاتهم.
* وضع خطط علاجية على ضوء تقييم يُحدِّد جوانِـب الضَّعف عند الطلبة.
ب- أما المنهج فهذا قد يتطلب شيئا مما يلي:
* أن تكون أهداف المناهج واضِحة في ذِهـن المُعلم بحيث يعرف أن من واجبِه أن يُخـرِّج طلبة يقرأون ويكتبون وفق زمن محدد إضافة لأهداف المناهج الأخرى.
* أن يعطي المعلم مهارة الكتابة ما تستحق من الاهتمام كما في مهارة القراءة ويُصحِّح كُل واجب أو عمل.
* أن يكون المنهج ثرياً بالأنشطة وتحفيز الطلبة.
* أن تكون المناهج تتناسب مع الزمن وعدد أشهر وأيام الدراسة.
وهنا أطرح سؤالاً قد يكون خلافياً ولكن سامحوني على عرض رأيي فأقول:
لماذا تُدرَّس لُغة أخرى إلى جانب اللغة الأم في الصفوف الثلاثة الأولى؟
ألا يؤثر ذلك على مدى إتقان اللغة الأم؟ أليست اللٌّغة الأم هي وعاء الثقافة الأول والتي يحتاجها في بداية سنوات عمره؟
أليس من الأفضل أن تُعطى اللغة الأجنبية للطلبة بعد الصفوف الثلاثة الأولى وعندها يكون وعيهم وإدراكهم أفضل كما أن إتقانهم للغتهم قد تجذر.
ج – أمّـا دور الأسرة؛ فيمكن تعريف الأسرة بدورها من خلال اجتماعات المدرسة بأولياء الأمور وعقد لقاءات دورية لهذا الهدف في الزمان والمكان المناسبين. وقد يحتاج الأمـر أن تقوم الوزارة بوضع دليل يُساعد المدارس في الشرح والتوضيح للأهل عن مدى دورهم في تربية وتعليم ابنائهم.
* إبلاغ الأسـرة بتقييـم أبنائِـهم بشكل مُنتظـم والتعاون على حل مشكلاتهم.
4- أما النقطة الأخيرة وهي الأهم وقد مررت عليها في بداية النص بشكل سريع إنها ((المساءلة))؛ وهنا أقول أننا كما نُقيِّـم نتاجات الطالب وإتقانه للمهارات المطلوبة فلا بد أن يُقيَّـم أداء المعلم وبخاصة في الصفوف الثلاثة الأولى، فنرى كم طالباً مُتميِّزاً في صَفِّه، وكم طالباً مُتوسِّطاً وكم طالباً ضعيفاً، وكما قلتُ فإن مسؤوليّـة المُعلم هنا كبيرة تتلخص بأن عليه أن يُعطينا في نهاية العام طلبة يقرأون ويكتبون ويتقنون مهارات القراءة والكتابة والحساب إلى جانب المواد الأخرى ولا أنسى تنمية الجوانب الشخصية الانفعالية والوجدانية عند الطلبة والتي يتم تنميتها من خلال مواقف المعلم وتعامله وإدارته، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن معلمي اليوم مُتخمون بالمعلومات الأكاديمية وبالتدريب ولكن تطبيق ما تدربوا عليه في غرفة الصف يكاد يكون صفراً.
وفي الختام فلا بد من شكر معالي الوزير على التفاتتِه للأمية في الصفوف الدنيا وأن نعترف أن هذه الأميَّة هي بنفس المقدار في المراحل التعليمية اللاحقة.
ولكننا ننتظر من معالي الوزير وأطقم الوزارة خُططاً إجرائية عملية تُعالج ظاهرة الأمية هذه آملين أن يبتعدوا في خططهم عن التنظيـر ووضع التصورات من على المكاتب بل عليهم أن تستند خططهم لآراء وتجارب الميدانييـن الذين يعيشون الظاهرة ويتلمسونها كُل يـوم في مدارسنا وأن تُقيَّـم هذه الخطط والقائمين عليها بشكل مُستمِـر وأن يكون التَّقييـم مُرتبطاً بمقـدار تحقُّـق الأهداف، ويشمل التقييـم العقاب مثلما يشتمل على الثواب.
الأستاذ عبدالكريـم فضلـو العزام