متى الرقابة فعِّلت كأداة ردع للتسيب؟؟
هدر المال العام والبذخ والإسراف عفن أوجده الفاسدون وما زال قائم وبشكل علني بظل “المناداة” بمحاربة الفساد والتوجه نحو الترشيد بالإستهلاك وضبط الصرف الحكومي والتقليل من الترف. فالعلاج الشافي لم يصنع بعد والعدالة لم تصل لهؤلاء الذين يستغلون مناصبهم ويمارسون أبشع أنماط النفوذ وكأنهم أباطرة وقياصرة. ويستهلكون أموال الدولة أي أموال الوطن والمواطن والقانون يبدو انه وضع وفصل فقط لمحاسبة البسطاء والفقراء أما أعضاء الطبقة المخملية لا قانون يطالهم ولا رقيب عليهم يرصد بذخهم ولا حسيب يسألهم بأي حق تهدر الأموال الطائلة والتي ليست من حقهم.
تم مؤخرا تداول خبر فضيحة قيمة فاتورة كهرباء منزل رئيس سلطة العقبة والتي قاربت ألـ (34000) دينار عن شهر واحد فقط وقيمة فاتورة المياه قاربت ألـ (42000) دينار عن ثلاثة شهور تدفع من خزينة الدولة التي تئن من العجز المتزايد, وعندما يوجد تقصير بحق المواطن تتذرع الحكومة البالغة الرشد بهذا العجز وإذا بالعجز تسببه وتصنعه الحكومة نفسها جراء تخاذلها وإحجامها عن محاسبة مؤسسي العجز والفساد المتغلغل بسلوك المتنفذين. فلو هذا المتنفذ أو ذاك كان يعلم أنه سيقع تحت طائلة القانون, وديوان المحاسبة سيتوقف عند بذخه الذي ينحدر لمستوى السرقة, وأن القضاء سيقتص منه, والحكومة ستعاقبه وتطرده من وظيفته التي اتخذ منها بنكا يمول مصاريفه بلا قيود, هل كان سيفعل ما فعله؟؟ الجواب المنطقي “لا”. إذن هناك خلل متعمد وتقصير ونكوص وتخاذل وكل فاسد يغني على ليلاه.
والسؤال الذي يقفز للذهن بهذا المقام إذ الشيء بالشيء يذكر, لو أن مواطنا بسيطا كادحا تأخر أو لم يتمكن من الإلتزام بدفع قيمة فاتورته, ما الإجراء المتخذ والفوري من قبل القانون؟؟ أترك الإجابة للقارئ. بالمقابل القانون يتجمد عندما تهدر الأموال العامة من قبل المتنفذين. أهذا هو العدل؟؟ أليست هذه ازدواجية وانتقائية يروح غالب الأردنيين ضحيتها؟؟ أليست هذه “طبطبة” على المتمادين والمستهترين بالقانون؟؟ أليست هذه النمطية هي التي تخلق الفساد وتشجع عليه؟؟ وإن لم تخني الذاكرة, الكل سواسية أمام القانون, إلا إذا هناك قوانين مخصصة للبسطاء وأخرى لغير البسطاء.وذاكرتي تحتفظ بعبارة “أن الأردن دولة قانون ومؤسسات”. وهذه العبارة تعني أن الخطأ وإن كان عفويا فهو مرصود فما بالك بخيانة الأمانة والسرقة والتنفع واستغلال الوظيفة والتي وجدت لخدمة الوطن ومواطنيه ولم تكن لإفقار المواطن وتدمير الوطن. فكيف بالله عليك يا دولة الرئيس تطلب من الفقراء دفع فواتير البذخ والإسراف والتسيب الذي يقوم به من ترأسهم؟؟
وبحسبة بسيطة نصل إلى أن رئيس سلطة منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة يكلف الخزينة الأردنية ما يقارب الـ (500,000) دينار سنويا ثمن كهرباء, وما يقارب الـ (170,000) دينار سنويا ثمن مياه, ناهيك عن السيارات والخدمات الأخرى ومخصصات الضيافة والراتب الفلكي فيكون قد تجاوز المليون دينار بكثير.
والمرارة تزداد والغصة تكبر والغبن يجعل النفوس والصدور محتقنة عندما نرى الجندي الأردني لا يتجاوز راتبه المئات الثلاث وغير مسموح له ممارسة أي عمل خارج الإطار العسكري ولا أن يكون شريكا بمصلحة تجارية لكي يتمكن من تأمين أساسيات العيش العادي ومواكبة ارتفاع الأسعار الصاروخية المسعورة. قرض الإسكان الذي رفعه جلالة الملك ليصبح (10,000) دينار بعد أن كان (7,500) دينار يصرف متأخرا وبشرط قاسية والمبلغ في الواقع لا يكفي لبناء غرفتين هذا إذا توفرت الأرض. وحاجة العسكريين الماسة للقرض غالبا ما تكون عند التقاعد لكي يبدأ حياة جديدة طالما به رمق للعطاء والعمل وأبناءه بأشد الحاجة وبسن الحاجة للتعليم الجامعي أو الزواج. فما يمنع من صرف قرض الإسكان عند التقاعد طالما أنه يسترد من راتب المتقاعد بكل الأحوال؟؟
أليست تلك مفارقة تدعو للتساؤل والدهشة؟؟ إذ الحاجة للقرض تقل كثيرا عندما يقترب العمر من الستين فالأجدر أن يصرف بوقت الحاجة ليستطيع استثماره وتنميته بوقت ينتفع منه صاحبه وأسرته. هذا ونحن دائما نفاخر بجنودنا وهم حقا مصدر فخر واعتزاز فهم إذن الأولى بالدعم والحوافز وتحسين الرعاية وهم قرة عين قائدهم الأعلى وحماة الوطن والأمن. فالدولة مطالبة وبسرعة بإعادة النظر بكل ما يتعلق بالعسكريين العاملين والمتقاعدين ولا ننسى أنهم يشكلون نسبة كبيرة ديموغرافيا, الأمر الذي يستدعي زيادة الإهتمام بهذا القطاع الحيوي والذي كبار رموزه قد بدأوا يدخلون المعترك السياسي ويعبروا عما يرونه من حقوق ومكتسبات لا تصلهم وتلك تكاد تكون سابقة لا نريد لها أن تتسع, فالتدارك والحكمة يجب أن يسودا ذهنية متخذ وصانع القرار. الظروف بتغيير مستمر ومعها الناس ومواكبة المتطلبات الأساسية للحياة تزداد كلفة وصعوبة. وليس دائما السكوت يعني الرضا والقبول, ربما هدوء يسبق عاصفة لم يحسب لها حساب.
وسؤالنا بهذا الخضم, أين دولة الرئيس من التسيب الذي هو مدعاة للفساد والحاصل من قبل رئيس سلطة العقبة؟؟ لماذا لا يضرب لنا دولته مثلا بالمصداقية والشفافية والحرص والقلب الذي ينفطر على المواطن والوطن ويطالعنا بإقالة هذا المتنفذ وتقديمه للمساءلة. والشكر موصول لصحيفة “السبيل” التي تحرت وكشفت الأمر ووضعت مصداقية الحكومة على المحك لتبين للشعب مثالا على هدر المال العام من قبل موظفين كبار أقسموا بالله على صون الأمانة والحفاظ على ممتلكات ومقدرات الوطن.
يبدو لنا أن ما نسمعه من مثاليات وشعارات تنادي بمحاربة الفساد وأصحابه ما هي إلا للإستهلاك الإعلامي وللتخدير وشراء الوقت. أين ديوان المحاسبة وما دوره بهكذا قضية؟؟ أين هيئة مكافحة الفساد التي تأسيسها بالمقام الأول قام على الإعتراف بأن الفساد بلغ مبلغا يقتضي إيجاد جهة متخصصة ومتفرغة لتحديده وتقديم أصحابه للقانون؟؟ وأين رئيس الحكومة الذي أقسم أغلظ الأيمان ومن على شاشات التلفاز بأنه لن يتوانى عن محاسبة الفاسدين؟؟ وذات يوم طلب من المواطنين تقديم أدلة ووثائق تثبت فساد الفاسدين, وها هي الوثائق بين يديه فما هو فاعل؟؟ إنها جعجعة بلا طحن, أليس كذلك؟؟
هل يا ترى وصلنا لنقطة اللاعودة؟؟ وهل الإصلاح مستعص لدرجة تجعله من ضرب المستحيل؟؟ هل استقر الحال على محاسبة البسطاء فقط؟؟ هل المتنفذون من طينة غير بشرية تجعلهم ينفذوا من المحاسبة؟؟ فإلى متى سنبقى على هذه الحال؟؟ أين الثورة البيضاء التي نادى بها جلالة الملك مرات عدة؟؟ أين قول جلالته “لا أحد فوق القانون”؟؟
صدق مثلنا الشعبي الأردني القائل “المال السايب بعلم الناس السرقة”, فغياب الرقابة والمحاسبة والمساءلة وبالتالي انعدام العقوبة وغياب الضمير ومخافة الله وتوفر الإنتماء الضعيف أو غيابه كليا, كلها أسباب تدفع إلى توالد الفاسدين وتكاثرهم وتوريث فسادهم. وإذا لم يعلق جرس المحاسبة لمن يهدر فلسا بغير وجه حق سيبقى حالنا آخذ بالسوء.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com