المنطقة بين الترسيم والتهليل
بعد عمليات الاهتزازات والخلخلة ، ورياح التجوية والتعرية التى اجتاحت الجغرافيا والديموغرافيا والانظمة ، فاز الجميع وخسر اهل المنطقة ، هذة الجملة المفيدة التى تنطبق على مجريات احداث الاقليم والذى يدخل فى اختبار معلوم «open note».! ، وفى هذا الامتحان تستطيع فتح الكتاب وتصفح ما يمكنك تصفحه ،كما يمكنك قراءة ما يمكن قراءته ، لكنك لا تستطيع الاجابة ليس من واقع قدرتك عليها ، لكن لانك لا تمتلك القلم الذى تكتب فيه ولا حتى الورقة التى يمكنك الكتابة عليها ، بينما يمكنك الحديث والحديث فقط وهذا لان الكلام هنا لا قيمة مفيدة يحمل ولا درعا واقيا يشكل ، ولان الامتحان تحريري فان شروط النجاح فيه تسليم ورقة الاختبار والتى لا يمتلك البعض ادواتها ولا حتى الورقة ذاتها .
فلقد تم تبديل مراكز بيت القرار من اوروبية – امريكية الى روسية – امريكية ، وتم تغيير المراكز المحورية الاقليمية من عربية – اسرائيلية الى تركية – ايرانية -اسرائيلية ، وتبدلت معها اهداف المكونات الاجتماعية المشكلة لبلدان النظام العربي ، فلا مكوناته غدت واحدة ولا اهداف مجتمعاته باتت واحدة ، وغدا المكون العربي ترزح مكوناته تحت وطأة الاستقطاب الاقليمي ، لكل منها اجندته ولكل واحدة من فئاتة توجهه ، وهو الواقع الذى جعل من النظام العربي يؤول الى هذا الواقع المحذور والذى بات فيه غير قادر على الحركة لكنه مازال ينطق ومازال قادرا على الكلام .
وعلى الرغم من التحذيرات تلو التحذيرات والمبادرات الاستثنائية التى قام جلالة الملك عبدالله الثاني فى لملمة الحالة العربية فى قمة البحر الميت ، واشتباك الدبلوماسية الاردنية مع اسقاطات بل وتفاهمات ما يعرف بصفقة القرن على الصعيد السياسي الاقليمي والعمل على تشكيل رافعة نهوض عربية اردنية – مصرية- عراقية ، هذا اضافة الى تعزيز الجبهة الاردنية الفلسطينية فى اشتباك دبلوماسي وانتخابي اضافة الى حرص الدبلوماسية الاردنية على سلامة الاراضي السورية ، لكن كل ذلك لم يجد فى بيت القرار العربي حسن الاستجابة المطلوبة، ليصبح هذا البيت ابياتا شعرية تقرأ وفي المناسبات الرسمية .
لكن ماذا بعد دخول المنطقة مرحلة الترسيم ، التى فيها يتم اعادة رسم الجغرافيا السياسية للاوطان ويتم عبرها تثبيت اوتاد النفوذ الاقليمي فى المجتمعات وليس فى البلدان ، ماذا بعد اجتياح الشمال السوري من قبل الاتراك الذى يقدم مثلا صارخا عما ستؤول اليه الحالة فى المنطقة ، فى ظل تعالي اصوات التقسيم القادمة المصحوبة باسواط تهدد الجميع ، وتاذن عن انتهاء مرحلة المخاض وتجبر الجميع على التهليل والترحيب بقدوم المولود الجديد ، الذى يقسم ما هو مطروح ويقسم ما كان مجموعا ، لا بل ويشرعن ما تم التفاهم حوله من دون مرجعيات قانونية تذكر او مسوغات بينية تعلم .
ماذا بعد الاعلان الصريح عن دول توسعية اقليمية تشهر إستراتيجياتها التوسعية ، وتذعن فى تثبيت نفوذها وتحديد حدودها فلقد سبقت لاسرائيل القيام بذلك ومازالت ايران تفاوض على ذلك وها هي تركيا تقوم بفرض واقع جديد وذلك ضمن حالة قد تستحفز الدول الاقليمية الثلاث على اتباع ذات المسار الذي اتبعته تركيا بالعمل على اجتياح مناطق نفوذها ، فاذا لم يستدرك النظام العربي ذلك ويقوم بما عليه من واجب فى الدفاع عن ذاته فى الوقت الراهن فان المنطقة تكون قد استكانت لما هو قادم بدون مقاومة تذكر .
فالامل مازال معقودا ان تنتفض الامة لذاتها ، وان لا تضيع ما لا يمكننا تعويضه على الاقل فى الوقت الراهن ، هذا لاننا لا نمتلك ادوات استرداده ، فان شرعية القوة بات تخيم على المناخات العربية والتى لن يردها شرعية قانونية او مواقف استهجانية ، وهي بحاجة الى فعل وحدوي جامع يعيد برهنة ما يجب برهانه ، عبر الانتفاضة للذات العربية فهل سيستجيب النظام العربي لذلك، هذا ما ستجيب عنه الايام القادمة. د.حازم قشوع