كيري .. وإعادة جدولة القضية
زيارة جون كيري للمنطقة قد تعني التوصل إلى إتفاقية إطار بين الجانب الفلسطيني ونظيره الصهيوني ، الواضح إن نتنياهو يشترط على الفلسطينيين والأمريكان من أجل الوصول إلى إتفاق أن يعترف الفلسطينيين بيهودية الدولة.
وهنا تبدو الكارثة الوطنية السياسية إذا ما إعترف الجانب الفلسطيني ، إن أي تنازل فلسطيني عن حق اللاجئين بالعودة هو معادل موضوعي للإعتراف بيهودية الدولة ، وهو في النهاية تنازل خطير له تداعيات لا يمكن وصفها إن صانع القرار في فلسطين لن يعترف ولا يملك مثل هذا الإعتراف , الجميع يعيش قلقا غير مسبوق من طبيعة سرية التفاوض الفلسطيني الصهيوني الحالي وهذا أمر لا يمكن إخفاءه , سواء أعلن عن تفاصيلها أم بقي بعضها سرياً وبخاصة بعد تسريبات ، وبما يتعلق باللاجئين والحدود والقدس.
لكن يبقى السؤال إن كان الوقت مناسبا للدخول كما ترغب واشنطن بقوة في هكذا ملفات حساسة ، في إقليم يغلي بدءا من مصر ولبنان وسوريا والعراق والأردن في وضع لا تحسد عليه , فهي ستضيف إلى أعبائها على الحدود الغربية مزيدا من الحذر والخوف على خطوط أخرى في الشرق والشمال ، ويمكن أن تمتد جنوبا أيضا ، ماذا لو إنفلت الوضع في لبنان وإمتد مضطرب معاكس من بيروت إلى دمشق ثم بغداد ، وكيف ستجد واشنطن مساحة لطرح موضوع معقد مثل الحل النهائي للفلسطينيين أم أن هنالك مخططًا يعد له في السر سيكون مفاجئاً للجميع.
لا تلوح في الأفق خيارات متعددة ، بل على واشنطن أن تعيد حساباتها في المنطقة ، ومثلما فعلت أكثر من مرة كانت تخطئ كل مرة ، تعيد مثلما فعلت في إبرام الإتفاق النووي التاريخي مع إيران ، هذه المرة الوضع يختلف فالعنف بدأ يتصاعد وتيرته ، وبشكل ملفت وضمن تجاذبات إقليمية ولدت إرتباكاً لدول تدعم جماعات هنا وهناك وبغض النظر عن مرجعياتها ، إذاً تجد واشنطن الآن نفسها أمام تحدي كبير أصعب من مسألة المفاوضات الفلسطينية الصهيونية , إذ إن منابر التحليل على إرتباكها ، وعدم تجلي الصورة ، تجزم بأن خيار الشعوب سيعود من جديد ، لكن هذه المرة بشكل مختلف وضمن تفاهمات ما تزال غامضة حتى اللحظة.
في كل الأحوال تعيش المنطقة وضعاً صعباً لا تحسد عليه ، والزيارة التي يقوم بها جون كيري إلى المنطقة بهدف دفع عملية السلام ، لا لون ولا طعم لها ولا نكهة ! إن ما تسرب من ملامح رئيسية لـ إتفاقية الإطار التي يعمل على إرسائها بين الفلسطينيين ودولة الإحتلال ، تقوّض ما تبقى من فلسطين ، الأمر الذي يعني إن أي حل يكون على حساب الفلسطينيون ، الذين قدموا ما إستطاعوا وأكثر ، ولا يعرف كيري ولا يريد أن يعرف إنه ما عاد هناك مجال أصلاً لتقديم أي شيء جديد.
المشكلة أن الدفع الإعلامي الذي يصاحب جولة كيري مشحن بالأمل والنوايا العريضة ، إن الواقع يؤكد أن أحدا لم ينتبه إلى أن حقيبة كيري مخزوقة ، وأنه حال وصل إلينا ، لم يبق في جعبته شيء إلا اليأس ، هذا اليأس دفع مسؤولين فلسطينيين إلى محاولة نفض أيدهم من عملية السلام ، في حين إن نتنياهو عاد لترديد ذات الإسطوانة ليس هناك شركاء سلام ، طبعا نتنياهو يريد شركاء سلام على مقاسه ، يجري تفصيلهم كيفما شاء وربما في معامل أمريكية , زيارة لا جديد فيها ولا جدوى ، وأرى أنه كان مفترضا بمستشاري كيري أن يوجهوه إلى أن لا فائدة ترجى من ذلك ولا أمل ، ما دام المحتل متمسكاً بمواقفه الديمغواجية الصهيونية ، وأن عليه إن يجول في المنطقة كما يشاء متذوقا أطعمتها وكنافتها النابلسية التي أحبها ، وينسى أي حديث عن سلام ، المغزى أن هذا الهجوم الدبلوماسي الذي تقوم به واشنطن ، على الرغم من كل التطبيل الإعلامي ، لا يهدف إلى حل القضية وإنما الى جس النبض ، والحوار لمجرد الحوار ، وإعادة جدولة القضية فقط لا غير .
بقلم الكاتب جمال ايوب