الفقر يؤدي إلى الذل والقهر والجريمة
الفقر يؤدي إلى الذل والقهر والجريمة
الفقر كلمة تتلخص في النقص والحاجة والعجز عن الوصول إلى الحد الأدنى من توفير الحاجات المهمة وتحقيق مستوى معيشي لائق ، وهو إنتهاك لحق جوهري من حقوق الإنسان ناتج عن إنتهاكات أخرى لا تُحصى على مستوى حق العمل والغذاء والصحة والتعليم وغير ذلك ، ومدى شعورهم بالإنكسار والذل والظلم والإقصاء والتهميش في ظل غياب العدالة الاجتماعية ، وحرمانهم من التمتع بقدر كافٍ من الحياة الكريمة العادلة أكثر من مشكلة الفقر والعوز ، وعدم قدرة الإنسان على تلبية إحتياجاته الأساسية لتتحول الحياة إلى معركة تبدأ رحاها وتنتهي في تأمين رغيف خبز يكفيه ويسد رمقه اليومي .
إن الفقر هو الوحش الذي يلتهم العقول ويقتل القلوب ويخنق الأحاسيس الإنسانية ويجعل المرء يهيم في درب الحياة دون أمل ، وعندما تزداد ضغوط الحياة أكثر من المعقول والمحتمل وتتسع الهوه بين أفراد المجتمع ويستشري الفساد والمحسوبية ينتاب الناس مشاعر الحقد ويجنح الفقراء إلى ممارسة العنف وترتفع معدلات إنتشار الجرائم فضلاً عن الإضطرابات وإنعدام الأمن والأمان وصولاً إلى الحروب الأهلية .
إن مستقبل الإنسانية مهدد بشكل عام بسبب تزايد وإنتشار الفقر، وتتزايد أيضًا بسببه الهوة بين الأغنياء والفقراء , مما يؤدي إلى زوال أحلام الشعوب والدول في الوصول إلى مستوى إنساني أفضل تتوافر فيه الحياة الكريمة ، خاصة فيما يتعلق منها بالإحتياجات الأساسية مثل : التعليم والصحة ، والمأكل والمشرب، وتؤثر إختفاء إمكانية تحقيق أمل الشعوب في التنمية والتقدم في العالم أجمع ، الفقر ظاهرة إجتماعية متعددة الجوانب فليس الفقر نقصًا في الدخل فحسب ، أو حتى ندرة في فرص العمل ولكنه أيضًا تهميش لطبقة من المجتمع ، وحرمان الفقراء من المشاركة في صنع القرار ، وإبعادهم من الوصول للخدمات الإجتماعية ، وكثيرًا ما يكون ذلك لأسباب عِرْقية وليس لأسباب اقتصادية .
إن قضية الفقر في العالم تتشابك مع قضايا كثيرة معاصرة ، وكلها تتعلق بقضايا التنمية والأوضاع المختلفة لها وخاصة قضايا الإصلاح الإقتصادي ، التي تؤدي إلى مزيد من الفقر للفقراء أو إلى مزيد من التنمية والرخاء وقضية الفقر تعتبر قضية محرجة ومؤسفة ، تنتشر وتتزايد في كثير من الدول في عالمنا اليوم وبطريقة مخيفة ومضطردة ، فالفقر الذي ينتشر في عالمنا اليوم بشكل مخيف لا يقل في حدته عن أخطار أخرى يواجهها العالم ، كما أنه يشكل تحديًا أخلاقيًّا للإنسانية إذ بسببه تتزايد مظاهر العنف ، والذي يتزايد مع تزايد أعداد الفقراء في العالم ومع تزايد النمو غير المتساوي بين الدول وما يتسبب عنه من إحتياطات إجتماعية وإقتصادية يعاني منها مباشرة الفقراء في معظم الدول الفقيرة.
إن قضية الفقر وما لها من تراكم إجتماعي وثقافي ، وإقتصادي وحضاري لا يؤثر فقط على الدول الفقيرة وشعوبها التي تعاني من مستويات مختلفة ومتباينة ، ولكنها تؤثر وتنتشر في معظم الدول في العالم مما يؤثر على مستقبل الإنسانية بشكل عام لذا إزدادت حدة مشكلة الفقر ، إذ لاحظنا أن إنتشارها لا يتوقف في إزديادها في الدول الفقيرة ولكنه يتزايد أيضًا في الدول المتقدمة والغنية , حيث نجد حسب الإحصاءات الأمريكية شخصًا واحدًا من بين كل سبعة أمريكيين يعيش تحت مستوى خط الفقر ، وخاصة بين المواطنين السود مما أدى إلى ازدياد ظواهر مخيفة ومخزية مثل : ظواهر إنتشار العنف والجريمة ، والتشرد والبطالة ، وزيادة التناسل بين الطبقات الفقيرة ، والتي تضغط كلها مباشرة على إمكانيات الدول في توفير الإحتياجات الأساسية للمواطنين يشكل تحقيق توفير الإحتياجات الأساسية للفقراء في البلدان النامية تحديًا كبيرًا وخاصة في البلاد التي لا يزال الجوع ووفاة الرضع منتشرين بها بسبب قلة الموارد أو سوء التغذية وضعف الرعاية الصحية . يوجد علاقة قوية بين الفقر وسرعة تزايد معدلات النمو السكاني ، مشكلة الفقر تؤثر بشكل ملحوظ على إستنزاف المصادر المتنوعة والمتوافرة في هذه البلاد , سواء منها المصادر البشرية أو المادية أو البيئية ويؤثر ذلك على الدول التي تعاني من قضية الفقر كما يؤثر على الدول الأخرى ، والتي لا تعاني بنفس الدرجة من هذه القضية المفزعة , مما يجعل من قضية الفقر مشكلة عالمية لا تتوقف آثارها على الدول التي تعاني مباشرة منها ، ولكنها تنتشر لتشمل أجزاء أخرى من العالم , فإن أي تقدم في تخفيض أعداد الفقراء يتوقف على نجاح الإصلاحات الإقتصادية ، بالإضافة إلى تشجيع إزدياد استخدام القدرة على العمل، والتي تشكل أكبر مورد متوفر لدى الفئات الفقيرة وتشير جميع الدلائل إلى أن المنظمات غير الحكومية يتعاظم دورها بحيث أصبح يمثل أهمية كبيرة في مجالات التنمية ورفع الظلم عن الفقراء ، إن التصدي لمشكلة الفقر يحتاج لرؤية مستقبلية واسعة مصحوبة بعمل دؤوب في المجالات الإقتصادية والإجتماعية ، والسياسية والثقافية.
الكاتب جمال أيوب .