0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

عين على العسكر وأخرى على البرادعي

عينٌ على العسكر وأخرى على البرادعي: رؤية إستشرافية
للأزمة المصرية ج2
الدكتور: محمد السنجلاوي
تأسيساً على ما سبق، نستطيع القول بأن الدولة العميقة، نجحت إلى حد كبير في عرقلة السياسة الداخلية للنظام الجديد، مما أثر وبشكل ملموس على السياسة الخارجية، التي اتصفت هي الأخرى بالضعف وقلة الخبرة، ليتحول نتاج ضعف السياستين – فيما بعد – إلى ورقة ضغط ألهبت حماس المسحوقين والمهمشين والثوريين الشرفاء، الذين صوتوا لصالح (د.محمد مرسي)؛ من أجل تحقيق الإصلاح بجميع أبعاده، وتحقيق العدالة الإجتماعية المفقودة أو بلغة أخرى من أجل تحقيق أهداف ثورة (25/1/2011) والتي كان شعارها (عيش، حرية، عدالة اجتماعية). وبالتالي خذلان تلك الجموع حولهم إلى أسماك صغيرة في أفواه حيتان “التحريض” وفك الدولة العميقة.
إن ذلك الإستحواذ الخشن والمسلوق، دفع (د.محمد مرسي) إلى القيام بما نستطيع تسميته سياسة (الإنفتاح المغلق)، نحو حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين)، بدلاً من انتهاج سياسة (الإنفتاح المدروس)، نحو قوى المعارضة والعمل على احتوائها؛ ليُثبتَ من خلال ذلك للجميع، بأنه زعيم بلد وليس زعيم حزب أو جماعة. وبالتالي تحولت هذه السياسة – من وجهة نظرنا – إلى ” كعب أخيل” في كيان النظام الجديد.
إزاء تلك السياسة للنظام الجديد، بدأت ساحات مصر وميادينها، تشهد انقساماً حاداً وواضحاً بين مؤيد ومعارض لهذا النظام، لدرجة أن المشهد السياسي قد اختزل بميداني رابعة والنهضة (المؤيدون) من جهة، وميدان التحرير (المعارضون) من جهة أخرى.
ذلك الإختزال قرع ناقوس الخطر، ودقّ أبواب تخوفات جميع المتابعين والمراقبين للمشهد السياسي المصري. كما بدأت لغة الإستقطاب السياسي الحاد، تطفو على سطح المشهد بشكل غير مسبوق.
أمام هذه المشهد المحتقن والمتأزم، لم يعد أمام (د.محمد مرسي) سوى الفرار نحو حصن (الشرعية)، محولاً تلك الشرعية إلى “تميمة”، علّقها على أبواب القصر الرئاسي. ومع تعاظم الخطر المحدق بكرسي الرئاسة، بدأت لغة الرئيس وخطاباته تطفح غزلاً في الجيش المصري. ولكن برغم كل ذلك الغزل في الجيش وفي جلباب الشرعية، التي أنشبت فيه المؤامرة أظفارها، كان (للعسكر) رأي آخر.
إن مقولة ” من مأمنه يؤتى الحذر”، تنطبق تماماً على (د.محمد مرسي)، فعندما اتخذ قراره التاريخي والجريء بالتخلص من القيادات الهرمة للقوات المسلّحة (المشير حسين طنطاوي، والفريق سامي عنان)؛ ليحُل محلها وجهاً شاباً وفتياً موالياً له (عبدالفتاح السيسي).
كان يقصد من وراء ذلك إبعاد شبح الخوف من المؤسسة العسكرية، التي لم تتورع عن تنحية (مباركها) من باب الإضطرار، ومن باب الحنكة والدهاء؛ للإبقاء على هيبة المؤسسة العسكرية، والحفاظ على امتيازاتها ومكتسباتها، وكسب ثقة الشعب المصري بالمحافظة على الدولة المصرية، وحقن دماء أبنائها الثوار.
ولكن لم يكن يتوقع مطلقاً، أن الحارس الجديد للشرعية (عبدالفتاح السيسي)، سيتم اختراقه بكل هذه السرعة، ليتحول في يوم (3/7/2013) إلى خائن لهذه الشرعية، بعد قراره التاريخي الشهير: عزل الرئيس (د.محمد مرسي) واعتقاله؛ بحجة النزول عند قرار أغلبية الشعب المصري، هذه الأغلبية التي – من وجهة نظره – لم تعد ترى في شخص الرئيس، سوى قائدٍ خيب آمال المصريين وتطلعاتهم نحو مستقبل مشرق.
بعيداً عن عظيم اختلافنا مع جماعة (الإخوان المسلمون)، وبعيداً عن قوة اتفاقنا حول الأخطاء التي ارتكبها (نظام مرسي)، فإننا لا نستطيع أن ننكر – بأي حالٍ من الأحوال – أن ما حدث في (3/7/2013)، هو انقلاب عسكري صارخ وفاضح، رغم كل المحاولات التي اتُخذت لتجميل صورة الإنقلاب بوجوه مدنية، ورغم تجنيد الإعلام المصري والعربي المعادي لحكم (الإخوان المسلمون) لشرعنة نزع الشرعية، من رئيس منتخب أفرزته صناديق الإقتراع.
لو تتبعنا المسيرة النضالية للجيش المصري، لوجدناها بكل سهولة – شأنها شأن الجيوش العربية الأخرى – مسيرة حبلى بالهزائم والإنكسارات (48، 56، 67)، ولكنها في الوقت نفسه وبعد تجميل صورتها، كانت تسطر مع كل هزيمة (مرثيّة) خُطَّت بدموع المتعاطفين من النيل إلى الفرات رغم مرارة الهزيمة وسوداويتها، ورغم حدة نظرات (الأقصى) تجاه قاتليه، ومتآمريه، وبائعيه.
بل إن المفارقة العجيبة، هي أنه مع كل هزيمة كان يسجل لنا التاريخ (المُسيَّس) ولادة (أبطال الهزائم)، الذين تعمدّوا بأنهار الخيبة، ليطلوا علينا بعدها من نافذة التاريخ آلهة تخرُّ لها “الجبابر ساجدينا”.
ما نود قوله: بأن الجيش المصري قد سجل في انقلابه على الشرعية، وفي ارتكابه من بعد ذلك لمجزرتي (رابعة والنهضة)، وما يرتكبه من جرائم حتى هذا الوقت، انتصاراً ساحقاً “متوهماً” على شعب، ستظل أهراماته تلعن لصوص حضارته ومغتصبي شرعيته وديمقراطيته، وبهذا السياق فقد وصفت “هيومن رايتس ووتش” الهجمات الشرسة على الإعتصامات المؤيدة لمرسي بأنها “أخطر حادث قتل جماعي غير قانوني في التاريخ المصري الحديث”.

النخب المصرية (البرادعي أنموذجاً):
عندما اندلعت ثورة (25/1)، كانت مفاجأة النخب المصرية بهذه الثورة أكبر من مفاجأة نظام (مبارك) نفسه؛ لسبب بسيط وهو أن عدداً كبيراً من تلك النخب، كان منضوباً تحت لواء النظام ولا ترى إلا ما يراه. كما إن عدداً آخر منها، كان يسكن أبراجاً عاجية مهمتها التنظير فقط، معلنة بذلك قطيعتها مع الواقع المصري وحيويته.
باختصار لقد كانت تلك النخب، مُغيبة عن الساحة، فلا تدور إلا فلك اهتماماتها الخاصة، ومساجلاتها الفكرية، وصراعاتها الأيديولوجية، ولذا فهي لم تكن قادرة على قراءة فلسفة حركة المجتمع.
وبالتالي عندما انطلق قطار ثورة (25/1)، استدركت على الفور موقفها، فقامت باللحاق به؛ بُغية اختطاف قمرة القيادة من أولئك الشباب الثوار، الذين سطروا بتخطيطهم للثورة ملامح نخبة جديدة، التفت حولها جميع النخب التقليدية.
ولأن النخبة الجديدة كانت تفتقر إلى الخبرة، سرعان ما ارتمت في أحضان النخب الأبوية – إذا جاز التعبير – مسلمة قيادها لها.
ولأن المقام لا مجال فيه للتفصيل هنا عن عمق الأزمة، التي كانت تعيشها النخب المصرية (الليبرالية، والعلمانية، والسياسية، والقومية، والدينية..) فإننا سنسلط الضوء على شخصية واحدة، ألا وهي شخصية (د.محمد البراعي) ودورها في الأزمة المصرية، لما في ذلك من وثيق ارتباط بالسيناريوهات التي سنختم بها طرحنا في نهاية رؤيتنا للأزمة المصرية.
(يتبع الجزء الثالث..)
للمتابعة على الفيس بوك: الدكتور محمد السنجلاوي