الجوع والقتل والتهجير للفلسطينيين في سوريا
شهدت بدايات الحراك السلمي في سوريا تساؤلات عن الموقف الفلسطينيّ في مخيمات سوريا ، التي لم تفصل الفلسطيني يوماً عن السوري ، وإعتبارات الدور الذي يؤديه اللاجئ الفلسطيني في بلد أعطاه منذ منتصف الخمسينيات حقوقاً كاملة باعتباره فلسطينياً بحكم السوري . وكذلك بسبب تشعبات الوضع السياسي الإقليمي والدولي وتأثيراته في مجمل قضية اللاجئين الفلسطينيين .
اختار أهالي مخيّم اليرموك دوراً إنسانياً بإبتعادهم عن الحالة المسلحة التي نشأت ، وفضلوا تحويل مخيّمهم إلى ملاذ آمن للنازحين من أحياء التضامن ، ويلدا والحجر الأسود ، والميدان ، وأدّت الهيئات الأهلية وتجمعات الشبان المستقلين سياسياً دوراً مهماً في هذا الجهد الإغاثي ، وتحوّل مخيّم اليرموك كما المخيمات الأخرى إلى رئة يتنفس منها السوريون الذين وقعوا تحت وطأة ظروف التهجير من منازلهم ، المخيمات الفلسطينية تفتح الجراح الفلسطينية ، وما حدث من الحصار المطبق يفتك بالمخيم ، وسياسة الركوع والجوع تطبق بأعتى الطرق وأشدها ، وما يزيد سوء حال أهل المخيم ، الإكتظاظ السكاني ، وعدم وجود أماكن للزراعة ، أو تربية المواشي التي يمكن أن تساعد في إطالة الصمود .
وأخيرا سقط خمسة شهداء في يوم واحد نتيجة الجوع والجفاف والمرض ، وما حدث ويحدث وسيحدث لمخيم اليرموك صورة كارثية لكيفية إستغلال الفلسطيني في معارك لا صلة له من قريب أو بعيد بالقضية الوطنية ، الجريمة اليومية التي تصيب المخيم تؤكد أنها أتت من قوى دخلت خلسة بسلاحها لداخل المخيم لفرض معركة عسكرية مع النظام السوري ، تكون النتيجة مجزرة بشرية وتدمير كل بيت داخل المخيم ، الجريمة الأخيرة بدأتها عصابات مسلحة مختلطة سورية فلسطينية ، وهدفها معلوم جدا إدخال فلسطين عنوة في لعبة الصراع الداخلي السوري ، رغم أن القوى الفلسطينية قررت ومنذ البداية أن تكون بمنأى عن الأزمة السورية ، مع وجود إختراقات لصالح هذا الطرف أو ذاك ، ولكن الكتلة الرئيسية رفضت أن تكون جزءا من الأزمة ، هذه الخريطة السياسية للواقع الفلسطيني في سوريا وخاصة مخيم اليرموك ، وبذلت محاولات عدة للزج بالفلسطينيين في الحرب و لم تنجح ، ولكن مريدوها لم يتوقفوا .
لعل الفصائل الفلسطينية إرتكبت خطأ كبيرا يوم أن رفضت أن تكون جاهزة بقوتها لقطع الطريق على أي محاولة للهجوم على المخيم ، الفصائل رفضت تسليح أهل المخيم من أجل الدفاع الذاتي في لحظة ما ، هذا الموقف أريد منه إرسال رسالة لطرفي الأزمة السورية ، أن الفلسطيني لن يكون جهة تقاتل غير عدوها الصهيوني ، وأن أي سلاح لن يكون إلا من أجل حماية فلسطين ، ولكن الجيش الحر إرتكب جريمة كبرى ، بإقتحام مخيم اليرموك كي يفرض على النظام إرتكاب جريمة ، المعارضة المسلحة وأدواتها التي دخلت لمخيم تعلم أنه لا خطر مطلقا من الفلسطينيين داخل المخيم ، بل أن الغالبية المطلقة من سكانه قوى وأفراد لم تتجاوب مع رغبة أي تنظيم بالتسلح ، لذا فالذريعة أن الهدف تطهير المخيم من تنظيم مسلح ليس سوى كذبة وخدعة ونفاق لا أساس لها ، ولكن المحاولة جاءت للزج بفلسطينيين داخل لعبتهم الخاصة ، كونهم يدركون تماما أن السيطرة على المخيم لن تدوم طويلا ، ولكنهم سينجحون بتدمير المخيم وتهجير سكانه .
والسؤال ماذا تريد المعارضة السورية المسلحة من المخيم الفلسطيني في سوريا ؟ وهي تدرك جيدا أنه ليس بوابتها لهزيمة النظام ، ولكنها تركت دمارا يحتاج لسنوات كي يعيد لها ما كانت عليه ، فهناك أطراف إقليمية ودولية لها هدف يتصل بالقضية الفلسطينية في المخطط السائد ، خاصة أمريكا وبعض العرب الذين يسعون لخلق وقائع سياسية تفرضها على الشعب الفلسطيني ، من جراء حركة تهجير إجبارية في أكثر من منطقة ، للتمهيد من أجل تنفيذ مشروعهم الدائم والتاريخي لتوطين الفلسطينيين خارج أرضهم وبلدهم ، وهو مشروع أمريكي – صهيوني وهدف مباشر بات يقترب أكثر فأكثر بمسميات مختلفة وعبر وقائع مختلفة ، وما يحدث للفلسطيني في مخيم اليرموك ، هو مقدمة لفرض تهجير فلسطيني جديد تقوم به أدوات تخدم قوى من أجل تنفيذه ، فضرب المخيم الفلسطيني في سوريا هو جزء من ذلك المخطط ، ومن هنا الجريمة الكبرى التي يجب مقاومتها بكل السبل ، وربما لم يعد كافيا الإدانة العامة دون مقاومة الخطر السياسي في الجريمة ، والإكتفاء بجريمة القصف أو القتل لم تعد كافية ، بل تشكل مشاركة في تمرير المشروع الأخطر وهو الجريمة السياسية , وكفى تلاعبا بالمشاعر وخلط الأوراق ، وإبتعدوا عن الفلسطينيون كفاهم هما ونكبات ، إن مشهد التهجير من المخيم اليرموك يشابه الخروج الكبير للفلسطينيين بعد نكبتهم عام 1948 .
إتفقت اللجان الشعبية في غالبيتها مع المعارضة المسلحة والنظام على عدم دخول المخيم دون أي معارك حقناً للدماء ، واليوم يعاني مخيم اليرموك من القصف الدائم ، وإنتشار القناصة ونقص المواد الطبية والغذائية والتموينية ، ويخضع لحصار خانق ، بينما غالبية سكانه باتوا مشردين في شوارع دمشق ومدارسها ، ومنهم من إستطاع الوصول إلى لبنان ، فيما إختار القليل البقاء في إنتظار موت مشرّف يغنيهم عن مرارة التشرد وذلّ التهجير ، بينما يبقى السؤال الأساسي مفتوحاً وحاداً وراهناً , ماذا ستفعل منظمة التحرير الفلسطينية لتجنيب فلسطينيي سوريا مصيراً مأساوياً كالذي شهده إخوانهم في العراق ؟؟؟؟؟
تبادلت منظمة التحرير الفلسطينية والقيادة العامة الإتهامات بشأن إفشال إتفاق مخيم اليرموك وإخلائه من المسلحين تمهيدا لإنهاء حصاره ، بل تبنت المبادرة التي طرحتها مؤسسات أهلية مدنية من داخل مخيم اليرموك ووافقت عليها جميع الفصائل وتنص على إنسحاب شامل للمسلحين غير الفلسطينيين خارج المخيم , ومن ثم إنسحاب متدرج للمسلحين الفلسطينيين على أن يتم تسوية أوضاع من يرغب منهم , ثم وبالتزامن تحل قوة شعبية فلسطينية تتولى أمن المخيم تمهيداً لخلق الظروف العملية لتولي الدولة السورية مسؤولية أمن المخيم ، آخذين بعين الإعتبار أن القيادة السورية قد إتخذت قرار بعدم دخول الجيش السوري إلى المخيم , وترك معالجة شأنه للجانب الفلسطيني.
عقدت لجنة المصالحة الشعبية الفلسطينية برئاسة الشيخ العمري في مقر المجلس الوطني الفلسطيني في دمشق وبحضور كافة وسائل الإعلام وممثلي الفصائل الفلسطينية حيث أعلنت اللجنة بشكل صريح مسؤولية الجماعات المسلحة التي تسيطر علي مخيم اليرموك عن فشل الإتفاق نتيجة لأوامر خارجية و يسمى بجبهة النصرة وداعش وأطراف فلسطينية هي التي مازالت تقتل وتدمر في مخيم اليرموك ، وختمت بيانها بالتأكيد على أنها إتخذت قرارا لا رجعة فيه وهو الإستمرار في البحث عن حلول سياسية لأزمة مخيم اليرموك وأنها لن تدخر جهداً سياسياً في سبيل ذلك لإنهاء معاناة شعبنا وأهلنا في مخيم اليرموك سواء الذين يعانون داخله أو النازحين خارجه ، يجب على جميع الفصائل الفلسطينية العمل على إنهاء هذا الصراع داخل المخيم ، بأي شكل من الأشكال بالإتفاق مع الدولة السورية.
بقلم الكاتب جمال أيوب.