البناء على الوهم
ربما لم يكن تيار الإسلام السياسي يُدرك حجم المشاكل والمعيقات التي ستواجهه عند اتخاذه قراراً بالمشاركة في انتخابات مجلس الشعب ودخول الحياة السياسية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر من أوسع أبوابها .
لقد تقدموا لإدارة دولة بحجم مصر دون تخطيط وإعداد الخطط والخطط البديلة وتجهيز الكوادر اللازمة والمدربة والمناسبة . تعاملوا مع الدولة وكأنه حزب ، ومع إدارة الدولة كإدارة جمعية خيرية أو نقابة . متناسين أن هناك فرق بين طريقة تعامل أعضاء حزب وقيادته تجمعهم السمع والطاعة وأواصر الحب وبين أحزاب منافسة تتصيد الأخطاء وتقتنص العيوب وشركاء متشاكسون . لقد ظهر الضعف واضحاً وقلّة الخبرة والإمكانات وتواضعها في إدارة المؤسسات وعدم توفر كوادر إعلامية واقتصادية وسياسية كافية ومدربة ، فظهر الخلل بسهولة بل وتم استغلاله . فليس كل أستاذ جامعي إداري كفؤ ، وليس كل حامل شهادة عليا سياسي ناجح ، وليس كل من دخل السجن وصبر واحتمل يكون قائدا ناجحاً .
وما كلن يدور بخلده أن الشعوب العربية والشعب المصري خصوصا ليسوا مؤهلين حالياً ليُحكموا بالإسلام أو من قبل إسلاميين . فهذا بحاجة لتمهيد وتربية واستعداد . وهذا لا يعني قطعا أنّ هذه الشعوب ليست متدينة أو أنها تكره الدين ، بل على العكس من ذلك ففطرتها أقرب إلى التّدين ، حتى من غرق حتى أذنيه في المعاصي ، سرعان ما يعود إلى فطرته وتربيته . ولكنّ العاطفة والرغبة شيء والعقل والواقع وحاجاته شيء آخر ، وغالباً ما تغلب المصالح والمنافع الآنية .
كما أنّ الظروف الدولية والإقليمية ، ومدى تقبّلها لتقدّم التيار الإسلامي إلى الواجهة ومقدرتها على التعامل معه لم يأخذ الاهتمام الكافي . علماً أن هذه المنطقة من العالم تمتاز بخصوصية وحساسية معينة . فالتيّار الإسلامي ليس مرغوبا به وهو مثقل بإرث كبير من السمعة السيئة التي زرعتها تنظيمات متطرفة . وهذا التيّار رغم نأيه بنفسه عن تلك التنظيمات إلا أن الحساب يجمع ورمضان اختلط بشعبان .
وربّما غرّه قبول الناس له لقيامه بأدوار معينة كالإغاثة وتوزيع المساعدات وحب الاستماع له كخطيب مفوّه أو الصلاة خلفه والتفاعل مع أداءه وصوته . فهذا شيء وأن يُقبل منه أن يقوم بدور سياسي أو قيادي فهذا شأنٌ آخر .
كما أنّ محاولة استنساخ الأحداث والتّجارب ، وتوقُّع الوصول إلى نفس النتيجة في كلّ مرّة ، ليس منطقياً . فلكلّ حدثٍ حيثيّاته ، ولكلّ تجربة ظروفها . ومحاولة إعادة الأحداث والتّجارب وان بظروف مختلفة ليتم الحصول على نفس النتائج يدلّ على سطحيّة وسذاجة بالغة ، كمحاولة إعادة تجربة احتشاد الناس في ميدان التحرير ، مع عدم اعتبار للعوامل المساعدة والظروف المختلفة .
إن الوهم لا يصلح كأساس للبناء عليه أيّ بناء أو كقاعدة بيانات يُعتمد عليه في اتّخاذ قرارات ، فهذه القرارات لن تكون راشدة أو صحيحة غالباً ، كمن بنى بنايةً ضخمة أساسها من الملح ، لا تلبث أن تنهار .