0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

للاردن لا للنسور

 
 
  
 
ما يغريني بالكتابة اليوم ويدفعني إليها دفعاً ليس التقدير والمحبة الصادقة التي أكنها لشخصية دولة د. عبدالله النسور, هذه الشخصية الأردنية المحترمة النزيهه, وإنما إنصافاً للأردن – الوطن والهوية – وحتى لا أجد في نفسي شعوراً بالتقصير والتقاعس عن كلمة حق يجب أن تُقال, فأنا لا أريد الإطراء والثناء على دولته وإن كان أهلاً لهما وإنما الإنصاف ولسوف يلقى من الإطراء والتقدير في مستقبل الأيام ما يثلج صدور أجيالٍ قادمة.

والحقيقة أيضاً أنني لا أريد أن أفصل الأحداث الكثيرة التي حدثت في الفترة البسيطة التي تسلم الولاية العامة بها دولة النسور ولكن ما أريد أن اؤكده أن هذه الفترة كان من الممكن أن تُحدث قلاقل وأشكاليات تهز أركان الدولة لولا وعي الشعب الأردني وحكمة القيادة الهاشمية والإجراءات السليمة من قبل السلطة التنفيذية التي يرأسها دولته, وعندما يتاح للمختصين المهتمين البحث والاستقصاء بكل حيادية ودقة ومصداقية عن تلك الفترة ما أُتيح لهم من الوسائل فسيكون التوصيف أدق لصالح دولته إن شاء الله تعالى.

ولكي يفهم كلامي بشكل واضح, وبعيداً عن المجاملة التي لا أجيدها, لا بد أن أوضح أنني قد اختلفت مع دولته في مواضيع عديدة ولكن اختلاف الرؤى لا تحجب الرؤية عندي, ولم تغير من مفهوم تقبل الرأي الآخر عند دولته, وهو مفهوم راقي لديه حول الديمقراطية, فمن الأمور التي كانت لي رؤية مختلفة في التعامل معها :

• حادثة المركز الثقافي الملكي وما تبعها من التلويح باستقالتي من الحكومة تلتها قراءة الفاتحة تحت قبة البرلمان على روح الشهيد صدام حسين.
• أحداث جامعة الحسين: فكنت أرى ولا زلت أن دولته كان يستطيع أن يسلك طريقاً أقصر للحل مستعيناً برغبة الأهالي للحلول الناجعة ومتكأً على ما حباه الله من الذكاء والبصيرة المتوقدة لكل ذلك سأبسط رأي دون تهيب من مشكك في نواياي أو اتهام بأني أدافع عن ولي النعمة, فمن يعرفني يعلم أنني لست من ذلك الصنف.

لقد استلم دولته زمام الأمور في الأردن وكان الوضع في غاية الصعوبة, والاقتصاد الوطني في مهب الريح يُغلف ذلك اعصارُ كبير من الفساد والفاسدين وكل ذلك نتيجة ضعف الحكومات المتعاقبة وانعدام المساءلة من قبل مجالس النواب مما أباح للفاسدين بيع المؤسسات الوطنية ومقدرات الشعب وتَم إيهام الشعب أن بيع هذه المؤسسات سيحل مشكلة المديونية وسيرصد ريع عوائده في صندوق الأجيال؟!!!

وبمعنى أكثر دقة كانت الميزانية تترنح تحت ضربات الليبراليين من جهه, وتحت وطأة الترحيل وتأجيل الحلول من قبل المحافظين من جهه أخرى, ونسمع اليوم من اولئك وهؤلاء إسرافٌ شديد في النقد الموجع الذي ليس في محله على الإطلاق وإزاء ذلك يتكشف لنا رئيسٌ يتوقد وطنية وبأس وقرارت حاسمة تؤخذ بعد روية وتبصر, فهو يريد أن يحافظ على الطبقة الوسطى التي تآكلت, وفي ضميره أن تخمة الأقلية هي حصيلة جوع الأغلبية الساحقة لذلك يحاول جاداً أن يقرّب الأغلبية من الأقلية لاستحداث طبقة وسطى تعيش بكرامة, وإني أرى أن جميع قرارات مجلس الوزراء الحالي غير الشعبية تصب في هذا الاتجاه الوطني الحصيف, وهل هناك دافع أنقى وأشرف من أن يحافظ المرء على وطنه معافى سليم خاصة في مثل هذه الظروف والانواء التي تحرق رجالاً وتهد جبالاً.. وإن جميع الإجراءات اتسمت بالمسؤولية الوطنية الحقيقية التي لم يعتورها ظنٌ بفساد أو سوء إدارة أو ضعف همه بل على العكس تماماً كانت اجراءات وطنية بامتياز انقذت الاقتصاد الوطني والعملة الأردنية, وسأضع بين يدي القارئ الكريم بعض الإجراءات المهمة اقتصادياً – سياسياً – اجتماعياً والتي سيعرف المواطن أثرها بعد وقت قصير, لنصل جميعاً الى دولة نموذجية:

• زيادة احتياطات العملة الأجنبية في البنك المركزي الأردني التي وصلت (11) مليار دولار بعدما كانت حوالي (5) مليار دولار.
• رفع الدعم عن المحروقات كان ضمن توجيه الدعم الى مستحقيه مما وفرَ نحو 500 مليون للخزينة.
• تم الإعلان عن أكبر مشروع نووي اقتصادي بناء المفاعل النووي وتم إحالة العطاء على الإئتلاف الروسي, علماً بأنني أتحفظ على هذا المشروع الى حد المطالبة بتأجيله أو الإستعاضة عنه ببدائل أكثر أمناً وأقل كلفة.
• تمت الموافقة على المنحة الأوروبية بما في ذلك طرح سندات ائتمانية (يوروبوند), التي تصل الى مليار دولار بكفالة أمريكية, وبذلك يسهل عملية الإقتراض بفوائد بسيطة.
• وضع حجر الأساس لبناء مرسى زايد في العقبة, وهذا يعتبر من الاستثمارات الضخمة.
• إعادة هيكلة عدد من الهيئات المستقلة التي سلخت عن جسم الحكومة وأصبحت في منأى عن المحاسبة والمسائلة البرلمانية, حيث تم إرسال مشروع لدمج عدد من المؤسسات, ولكن القانون لازال بأيدي النواب والأعيان لحين انجازه تماماً, وتنوي الحكومة التقدم بمشروع آخر لإلغاء ودمج بعض المؤسسات الأخرى التي تكلف الخزينة أموالاً طائلة دون جدوى.
• التوقيع على اتفاقية المرحلة الأولى لأضخم مشاريع المملكة المائية والاستراتيجية (مشروع ناقل البحرين) ويعتبر هذا المشروع الضخم حلاً لأكبر تحدي للعجز المائي, بالإضافة الى توفير طاقة وأيضاً انقاذ البحر الميت من الضمور والتلاشي.
• فيما يتعلق بالنزاهة والشفافية, فقد تسلّم جلالة الملك قبل أيام من دولة الرئيس ميثاق تعزيز منظومة النزاهة الوطنية والخطة التنفيذية مما يؤسس للحوكمة الرشيدة ويجذّر مكافحة الفساد بكل أشكاله ومحاربته قبل وقوعه وهو مؤشر على جدية عملية الإصلاح والحفاظ على المال العام.
• ناقل البصرة (العراقي/الأردني): نقل المشتقات البترولية من جنوب العراق عن طريق العقبة وهذا المشروع له العديد من الفوائد الإستثمارية على الأردن.
• نظام اختيار المواقع الريادية بعيداً عن المحسوبية والشللية.
• استيعاب هجرة اللاجئين قصراً من الأخوة السوريين وما يتبع ذلك من ارتدادات اجتماعية – سياسية – اقتصادية.
• تدشين وبدء ضخ مياه الديسي مما ساهم بشكل واضح في حل مشكلة المياه في مملكتنا.

وهناك العديد من القرارات التي يصعب حصرها والتي تمت في الفترة الماضية وسيكون لها أطيب الأثر – إن شاء الله تعالى –
وفي الختام وبحكم الفترة التي قضيناها مع دولته, فإنني أشهد بأن أكثر الأمور كراهة عليه أن يؤذي مشاعر الآخرين فما بالك إذا تم إيذائهم في رزقهم ولكن المسؤولية الوطنية تحتم عليه اتخاذ كأس الشفاء المر, لهذا فإنني واثق أنه وبعد وقت قصير ستتكشف الأمور وسيعرف الجميع الأسباب الموجبة لكل ما عمله دولة أبو زهير, وعندئذ لكل حادث حديث.

والله والوطن من وراء القصد

*وزير الثقافة السابق
د. بركات عوجان