عين على العسكر وأخرى على البرادعي
عينٌ على العسكر وأخرى على البرادعي: رؤية إستشرافية
للأزمة المصرية ج1
الدكتور: محمد السنجلاوي
ليس باستطاعتنا أن ننكر ضبابية المشهد السياسي في الساحة المصرية، فهو لا شك مشهد يرتقي إلى مستويات بالغة في التركيب والتعقيد. ولكن هذه الصورة المركبة لم تُولد من فراغ وإنما جاءت نتيجة عوامل داخلية وأخرى خارجية، جعلت موقف المحلل السياسي منها يشبه إلى حد كبير، موقف ذلك الشخص الذي يحاول البحث عن قطةٍ سوداء في غرفة مظلمة.
إن وجود العوامل الداخلية، لا يمكن بأيِّ حالٍ من الأحوال، أن يؤدي بالدولة المصرية إلى السير في واقع مفخَّخ، قد يُهدد وجودها برمته؛ لأن الجلوس على طاولة الحوار بين كآفة المتخاصمين، كفيل بأن يُشذِّب ويُهذِّبَ تلك الخلافات المتشابكة، التي تختبئ خلفها رؤوس الفتنة المصرية.
ولذا فإن “الدَّاء كل الدَّاء”، يكمن في حضور العوامل الخارجية بشكل لافت في عمق المشهد السياسي المصري، مما أدى بالمراهنين على وعي الشباب المصري إلى فشل رهاناتهم؛ لأن الدم المصري قد سُفك بوحشية، وانقسم البيت على ذاته، وكاد النيل يبتلع حقبة السِّلم الأهلي.
لن نكشف سراً إذا قلنا: إن براميل “النفط العربي”، قد دخلت بقوة بما لا يَدع مجالاً للشك في الأزمة المصرية، وذلك استمراراً في لعبة ذبح “العواصم العربية”، التي بدأت منذ دخول ما يسمى بــ “الربيع العربي” على خط تغيير نكهات الموت في المطابخ الغربية.
وبهذا الصدد فقد أشار الكاتب الصحفي عبدالباري عطوان رئيس تحرير صحيفة “رأي اليوم” على صفحته في الفيس بوك بتاريخ (19/8/2013) إلى أن “دول الخليج العربي التي أشهرت سيف العِداء للإخوان والإسلاميين بشكل عام، وبهذه الطريقة الشرسة، في وقتٍ تشتكي من خطر إيران وأنصارها من الشيعة مثلما يروج إعلامها ليل نهار، فهل هذا هو الوقت المناسب لفتح جبهتين في وقت واحد، وهل من الحكمة معاداة تيار إسلامي على هذه الدرجة من القوة، وله امتدادات عميقة في المجمتع الخليجي؟”.
إنه لمن نافلة القول، بأن (العسكر) قد لعبوا إبّان ثورة (25/1/2011)، التي أطاحت بالرئيس المخلوع “مبارك”، دوراً بارزاً أسهم إلى حدّ كبير، بتخليص الشعب المصري من رأس النظام (المهرِّج – المستبد)، وحقنوا دماء المصريين، ودشنوا لحقبة مدنية جديدة، بوصول (د. محمد مرسي) إلى سدة الحكم، عن طريق انتخابات ديمقراطية، وصفت بالحرة والنزيهة والشفافة.
وبذلك أصبح الرئيس الجديد، أول رئيس مدني يحكم مصر منذ عام (1953)، وقد تم إعلان فوزه بتاريخ (24/6/2012)، ليتولى بعد ذلك منصب رئاسة الجمهورية رسمياً بتاريخ (30/6/2012).
لقد نظرت الدول الغربية، وإسرائيل، ودول الخليج العربي – عدا قطر -، بعين الريبة والخوف والقلق لفوز (د. محمد مرسي) بالرئاسة، بالرغم من تهنئتها له بالفوز، لا لشيء إلا لأن جماعته (الإخوان المسلمون) جماعة راديكالية برغم كل ما تحاول أن تتجمل به من وسطية واعتدال، فهي جماعة ستظل “حاضنة” لتفريخ الإرهاب المحلي، والإقليمي، والعابر للقارات. وبالتالي استلام هذه الجماعة لمقاليد الحكم في (أي بلد)، سيؤهلها لشرعنة الإرهاب، والعمل على مأسسته، وذلك بالطبع من وجهة نظرهم.
قال شادي حميد من “مركز بروكنجز الدوحة”: “هناك قوة رمزية مقلقة بالتأكيد لزعماء دول الخليج لا سيما في السعودية والإمارات لأنهم يخشون بشكل متزايد معارضة الإسلاميين لديهم”.
إن وجهة نظر تلك الدول، قد تحولت – فيما بعد – من طور الإرهاصات إلى طور التطبيق الفعلي؛ لطرد مخاوفها من أجندة مرسي السياسية. فمع أول إشراقة شمس على حكم (د. محمد مرسي)، بدأت عواصم تلك الدول بالتنسيق مع رموز أركان “الدولة العميقة” ضاربة الجذور في كيان الدولة المصرية؛ من أجل الإطاحة بالنظام الجديد.
وهذا ما أكَّدته صحيفة القدس العربي اللندنية، في افتتاحيتها الصادرة يوم (5/9/2013)، من خلال مقالها المعنون بــ” مصر: صعود الفاشية؟” : “إن جماعة الإخوان جوبهت بشراسة من قبل أجهزة دولة استبدادية عميقة الجذور، دافعت عن مصالحها وامتيازاتها بالتحالف مع قوى إقليمية كبيرة ضخت أموالها ووظفت وسائل إعلامية، واقتصادية، وسياسية هائلة؛ لتشويه وضرب التجربة، وقامت بشيطنة الإخوان، وتحميلهم مسؤولية إرث طويل من الإستبداد ونتائجه”.
وأما بالنسبة لإسرائيل، فإنه يكفينا الإشارة إلى ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بنيامين بن إليعازر الذي أكد مخاوف إسرائيل:” ليس هناك أدنى شك في أننا استيقظنا على عالمٍ جديد، عالم أكثر تديناً، عالم إسلامي معادٍ لإسرائيل… الرجل معروف بآرائه المتطرفة المناهضة لمعاهدة السلام مع إسرائيل”.
بناءً على ما سبق، فقد بدأت في مصر مرحلة جديدة، نستطيع تسميتها مرحلة (شراء الذمم والولاءات) التي طالت عدداً كبيراً من رموز المعارضة، لتتحول بذلك الساحة المصرية إلى ساحة تنافس عربي وإقليمي ودولي، وذلك وفق الأجندات التي تنطلق منها كل دولة معارضِة كانت أم مؤيدة.
لقد نجح (المال) إلى حد كبير، في تمهيد الطريق إلى تغيير قواعد “اللعبة السياسية” في مصر، حيث لم يتوقف الإختراق المادي، على كثيرٍ من النخب السياسية المصرية فحسب، وإنما تجاوز ذلك متجهاً نحو أخطر مؤسسات الدولة، وأكثرها حساسية ونعني بذلك المؤسسة العسكرية.
لقد كان اختيار المؤسسة العسكرية – من قبل تلك الدول – موفقاً إلى حد بالغ الأثر؛ نظرا للتأييد الشعبي الكبير الذي تمتعت به إبان ثورة (25/1/2011)، مؤكدة للشعب المصري آنذاك بأنها (صمام أمان) للدولة المصرية، فلولاها لما استطاع المصريون إرساء (حكم مدني) عَبرتْ به إلى برّ الأمان، وسط محيطٍ محلي وإقليمي متلاطم الأمواج.
أمام هذا الواقع الجديد ومعطياته، لم يكن أمام (د.محمد مرسي) سوى القيام بممارسة ما نستطيع تسميته (الإستحواذ الخشن) على مؤسسات الدولة ودستورها وجميع مفاصلها. هذا الإستحواذ الذي خلع ثوب (الحكمة والحنكة)، أوقع الرئيس وجماعته في فخ الدولة العميقة، وجعلهم يقومون بارتكاب كثيرٍ من الأخطاء، التي ارتقت إلى مرتبة الفادحة.
بالطبع لقد كان ذلك الإستحواذ، مدفوعاً بالخوف من جميع المتربصين بالحكم – داخلياً وخارجياً – بخاصة بعد وصول معلومات استخباراتية، أماطت اللثام عن تحركات المتربصين، التي تسعى جاهدة إلى تقويض أركان النظام الجديد. فقد أوردت الصحيفة اليمنية “أخباركم برس” بتاريخ (29/8/2013) نقلاً عن مصدر في رئاسة الجمهورية المصرية أيام حكم مرسي لم تسمه، كان موجوداً في قصر الإتحادية بتاريخ (2/7/2013): “أن معلومات خطيرة لدى مرسي لم يكن يطلع عليها لا الإخوان ولا حكومة قنديل ولا غيرهم، كان يتم التوصل إليها وتظل سرّية حبيسة القصر، ومن بينها خطط ومحاولات الإطاحة بمرسي نفسه والتي كان يعتقد الرجل أنه سيتمكن من التغلب عليها”.
وقد جاء تأكيد ذلك المصدر بعد أيام من قيام مجلة أمريكية “Counter Prunch” بتاريخ (19/7/2013) بنشر معلومة محاولة إغتيال مرسي، حيث قالت المجلة أن المحاولة تمت بعلم وموافقة الإدارة الأمريكية .. وقد جاء تقرير المجلة على الرابط الآتي: http://www.counterprunc.org/2013/07/19/the-grand-scan-spinning-egypt-military-coup .
ومع ذلك لقد كان ذلك الإستحواذ خشناً ومسلوقاً، غيب النظام الجديد عن حقيقة التكتيك السياسي، الذي كان يقتضي ضرورة إستخدام لغة (براجماتية)، في التعاطي مع الخصوم السياسيين ومع (الآخر)، ليحل محلها لغة (خطابية)، فاحت منها رائحة “أخونة الدولة” ورائحة “الإسلام السياسي”، التي زكمت أنوف العلمانيين والليبراليين والإشتراكيين… إضافة إلى إثارة مخاوف الأقباط من تحولهم إلى دافعي جزية في ظل النظام الجديد.
(على موعدٍ مع الجزء الثاني)
للمتابعة على الفيس بوك: الدكتور محمد السنجلاوي