الماوضون يدركون الفشل قبل قبل البدء
عندما بدأ يسير قطار المفاوضات الفلسطينية الصهيونية في مدريد عام 1991، أعلن اسحق شامير رئيس الوزراء الصهيوني سأفاوضهم لعشرات السنين ، حتّى لا يجدوا ما يفاوضون عليه بهذه الكلمات التي سارت على هديها الحكومات الصهيونية المتعاقبة على السلطة ، ظل قطار المفاوضات يسير ويتوقف في محطات مختلفة من مدريد إلى أوسلو، ثم واشنطن واي ريفر إلى طابا ولكن لم يصل الى محطة نهائية له وعليه ولن يصل .
لا بد من التعامل مع المفاوضات من منظور الفشل وليس إمكان الوصول إلى تسوية ، بناء على الخبرة التفاوضية السابقة التي أوصلت المفاوضات إلى طريق الإنسداد السياسي , إن نظرة متأنية لأهداف كل طرف من أطراف العملية التفاوضية وإستجابته لتوجهه إليها يظهر أن هذه المفاوضات ناجحة نجاحا باهرا بتحقيق أهداف أطراف التفاوض العدو الصهيوني والفلسطينيين ومعهم الراعي والشريك الأمريكي .
العدو الصهيوني أراد من الذهاب إلى المفاوضات تحقيق مجموعة من الأهداف لنطرحها لنري مدى تحقيقها لأهدافه وهي :
* كسب مزيد من الوقت لإستكمال خططه لبناء جدار الفصل العنصري واستمرار توسيع المستوطنات وتدعيم بنيتها التحية والفوقية القائمة وإقامة مستوطنات وبؤر إستيطانية جديدة للتفاوض عليها مستقبلا مع محاوله تطوير حزام الإستيطان على أطراف القدس الكبرى وإستكمال زراعة مزيد من المستوطنين داخل القدس .
* يريد العدو من المفاوضات أن يوقف أي توجه فلسطيني للأمم المتحدة لنيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين إستكمالا لقرار الإعتراف بفلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة ومنع إنضمام فلسطين للمؤسسات التابعة لها خاصة محكمة جرائم الحرب والمحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المؤسسات الدولية التي يمكن للفلسطينيين من خلالها محاكمة العدووملاحقة قادتها.
* التهرب من أي إستحقاقات أو خيارات قد تجد القيادة الفلسطينية نفسها مضطرة إلى إتخاذها في حين إعلانها إن المفاوضات أصبحت خيارا لن يؤدي إلى نتائج وبالتالي تلزم باللجوء إلى خيارات أخرى لا تريد تحمل مسؤوليتها خاصة بعد تجربة الشهيد أبو عمار بدعم الإنتفاضة بعد فشل المفاوضات .
لقد حققت القيادة الفلسطينية المندفعة إتجاه المفاوضات أهدافها في أن تحافظ على وجودها وتضمن إستمرار الدعم الغربي لموازنتها وبالتالي قدرتها التشغيلية كضامن لعدم التمرد الشعبي ضدها , وفي نفس الوقت حازت على ثناء الغرب والولايات المتحدة ، وأعفت نفسها من أي تهم بالتطرف أو الإرهاب, إن الراعي الأمريكي للمفاوضات يعرف تماما ماهي الأهداف الآنية لكل طرف من أطراف عملية المفاوضات وبالتالي يعرف عدم جهوزية كل منهما للإعلان عن فشل هذه المفاوضات يضاف لها عدد من الأهداف الامريكية الصرفة ومنها :
* تريد الولايات المتحدة أن تضمن دورها كراع وحيد لعملية المفاوضات أو ما تسميه العملية السلمية في الشرق الأوسط وعدم السماح بترك أي فراغ في المنظقة قد يؤدي إلى تدخل أطراف أخرى كروسيا والصين وأوروبا.
* تواجه الولايات المتحدة أزمة حقيقية في المنطقة العربية نتيجة تراجع الدور الأمريكي لفشلها في المنطقة ، وبدء حالة تمرد على سياساتها في بعض الدول العربية الحليفة معها ، إضافة لخسارتها المعروفة للجماهير العربية وبالتالي تريد أن تحسن الصورة الذهنية لها عن الولايات المتحدة ومحاولة دعم أصدقائها من الأنظمة العربية وبعض منظريها بأنها تهدف إلى إنهاء الصراع العربي الصهيوني .
* المحافظة على أمن العدو الصهيوني عبر ضمان هدوء نسبي بسبب إستمرار العملية السلمية ومنع أي تبرير لإرتكاب أي أعمال مقاومة فلسطينية ضدها بسبب فشل المفاوضات وبالتالي نزع فتيل أزمة قد يواجهها العدو نتيجة لفقدان الأمل بنجاح التسوية السياسية.
لقد حققت الولايات المتحدة مرادها من المفاوضات حيث حافظت على وجودها في أهم ملف في الشرق الأوسط وضمنت عدم تدخل أي طرف غيرها , وذلك ضمنت تفوق العدو الصهيوني السياسي و العسكري . إن الأطراف الثلاثة الشركاء الحقيقيين في عملية التفاوض الحالية يدركون إن الوصول إى تسوية حقيقية للصراع العربي الصهيوني في هذه المرحلة غير ممكن ، لأنها تدرك إن الإتفاق حولها يقترب من المستحيل، وبالتالي فضلت عملية خداع منظمة عبر مفاوضات تدرك سلفا إنها فاشلة ، إن تم قياسها بمدى نجاحها في حل قضايا الصراع ، وناجحة بإمتياز إن تم قياسها بتحقيق الأهداف الآنية لكل طرف من الأطراف .
بقلم الكاتب جمال أيوب .