0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

عند العبابيد

في أشد الليالي تأزما وتحشيدا، كنت مدعوا وبعض الأصدقاء،بمعية الأخ الفقيه(صخر الفاعوري) عند صديق (عبادي).

لم يدر بأذهاننا أبدا،أن نلغي الدعوة،أو أن نؤجلها، لما وقع أو كان سيقع،من تطورات….. لم نتنفس للحظة، أننا غرماء لمن دعانا، ولم نعتقد للحظة،أن المضيف (العبادي) سوف يفكر بطريقة مختلفة عن طريقتنا،فنمط التفكير واحد، مترسخ والروابط عميقة، إلى درجة التشبث، بما يجمعنا، وتاريخنا مختلط، كما يختلط تراب السلط وعيرا،لا تستطيع تمييزنا باللون،فلوننا قمحي كلون تراب بطنا،وأبيض كصخور السلط،وأخضر كحقول عيرا وبطنا  ، وما وقع ويقع، كان مثارا للسخرية،والإشمئزاز.

وما أن وصلنا، إلى بيت مضيفنا الشهم،في (الموقر) تلك القرية الصحراوية،التي أصبح اسمها الجديد، مقرونا بالسجن حتى عند ذكر اسمها مفردا،كذا (الرميمين) تلك الخميلة الغناء،بدلا من أن تكون اسما لمنتجع، أصبحت عنوانا لسجن،هكذا معالم بلادنا، مقطعة على عزف السجون.

وقبل أن نترجل، من سيارتنا، تقاطر صف من أهله، وأصدقائه خارج الباب لاستقبالنا،قابلونا  بالترحيب،وبحميمية، تعودناها وتبادلناها دوما مع أهلنا العبابيد.

فدلفنا إلى ساحة أمام البيت، وإذ بنار موقدة، في منقل كبير،وفوقها حطب، يشتعل بِرَوِيَّة ،وحول النار مجلس مُعَدٌّ، وقهوةٌ حاضرةٌ،.

فأجلسونا بكل توقير،ودارت القهوة(العبادية) بعبقها المعروف،ووهج النار،يتراقص على وجوه الأصحاب،والبسمة أصلية في الوجوه،والترحيب يتجدد في كل لحظة، (مساكم الله بالخير) يتناولها هذا ويلقيها علينا، بعد أن يفلتها ذاك.

كان رداء الليل غامرا،موشىً بالنجوم،هكذا ليل الصحراء تختلف نجومه، عن النسق المعروف لدينا،فهي حكاية أخرى تستحق إن يبقى البصر معلقا بالسماء،وعلى مد الأفق قرىً أخرى، تجمعها المصابيح وتضمها،كأنها سوار يحيط بنا. والنسيم يسيل ببرود،تعوضه النار دفئاً،وكلما تغير اتجاه الريح، ليحمل الدخان إلينا،هَبَّ المضيف وأقاربه، فحملونا على القيام وتبديل مجالسنا،يرقبون راحتنا بأكثر من عين.

أخذنا الحديث الشهي كل مأخذ، وتناولنا اللغو فيه وغُصْنا في العميق منه، ،ضحكنا لبعضه،وأشجانا بعضه،وآلمنا بعضه، ولم نتطرق إلى ما يحصل بين الأهل من نزغ الشيطان،وتلعب الولدان،وضجيج الزعران، إلا عندما هممنا بإقفال السهرة مرغمين،فالوقت تسرب من بين أيدينا وشارف الليل أن ينتصف.

كلنا وبلا مجاملة، ، وبذات الإصرار والحماس، كنا نرفض ما يجري من تفريق، لم نعرفه، فأنا في الجالسين ابن الثالثة والأربعين، ولم أعرف يوما أن هناك فرقا بين عبادي وسلطي، وكذلك كان جلسائي فكلهم قريب من سني، ويعرفون من تاريخنا ما أعرف،استغربنا هذه اللهجة الجديدة من جيل أفلت منه في غفلة منا، كل ما تمسكنا به، وأخرج لنا أعرافا لم نعرفها يوما، وأدخلنا في تقسيم اصطلاحي،لم يكن يوما من مصطلحاتنا،وأغرقنا في نتن لم نعرف رائحته.

دوما كان لي أصدقاء من العبابيد، في المدرسة وفي الخدمة العسكرية،وكنا نتشاجر، أحيانا ولم يكن من أسباب خلافنا يوما هذا التقسيم، ولم يخطر في بالنا أبدا، أن يجمع أحد منا أقاربه ضد الآخر، وكنا نصطلح بعفوية وحميمية، من غير أن يتدخل بيننا أحد،ولم يقل أحدنا وقت الخصومة،للآخر انت عبادي او سلطي.

أنا وكل اخوتي السلطية والعبابيد،لن نسمح لشباب متفلت مخدر- تربى على مفهوم (الخاوة) وعلى مبدأ اطلب تجد، وافعل ما تريد، -أن يجرنا إلى  التمزق،لن نسمح لخلافات عشوائية، ونزق طفولي، أن يجري بيننا دما،يبكينا ويزرع بغضاء تقيم فينا.

الأغرب أن يكون ما يجري،من صنع الجامعات، وأن يسمى (بالعنف الجامعي) غريب،عنوان ينضح بالتضاد والتنافر،أخذتم الدبور ووضعتموه،في خلية نحل،وقلتم له أعطنا عسلا،سيكون العسل مرا،أعيدوا بناء الدبور ليصبح نحلا،قبل أن ترسلوه إلى الخلية.