وكالة الناس – هند السليم
عندما كنت ألعب في صغري، كنت أبني لنفسي بيتاً من الورد ممزوجاً ببرائتي و لهفتي على الحياة و حسن ظني بأيامي القادمة، جدرانه مصنعة من حنان الأم و فخر الأب، و أساساته من محبة الأخوة و دفئهم، مملوء بالضحك و وزاهية ألوانه بالورود، وسادته جميلة كجمال روحي و عقلي.
و كنت ألهو بكل شيء و أستمتع بحب هذا العالم الهادئ … و مضت السنوات و أنا أكبر و كل يوم أقنع نفسي أنني سأكون سعيدة و سأبقى متمسكة بالفرح؛ فالحزن لا يعرف طريق بيتي الوردي … و الخوف لا يسكنه أبداً … و الموت سيمنحني بعض الوقت للأستمتاع بالحياة … و أنا و الهم لسنا بأصدقاء؛ و لكن، كبرت قبل أواني و ما زلت أكبر قبل أواني.
قد وجدت أن الدنيا تتجه نحو الفلسفة المادية و النفعية تاركة المُثل و القيم و المبادئ الإنسانية، و بالتالي وجدت نفسي مغفلة ويجب عليَّ العودة للنفع و المصلحة لنفسي أولاً، ثم إن سنحت لي الفرصة و تبقى لدي وقت و جهد سأبحث عن الخير، و من المؤكد ان هذا الخير لن ينتفع منه أحد فقد حل بغير أوانه.
حياتنا جفت و أصبح ميزانها المنافع المادية و المصالح الشخصية و لا وقت للسعادة، و تحولت إلى نهرٍ عظيم نضب مائه و ظهرت الصخور الجافة القاسية، لنصطدم بها فتكسرنا و لا تروينا؛ فما هي إلا حطام الدنيا الفانية التي حرصنا دوماً على أخفائها و منعها من الجريان بحياتنا.
إن العبث بهذا الميزان يؤدي إلى أرتكاب المجازر الوحشية بحق الإنسانية، و يصبح من العسير على أي منظمة أو مؤسسة تعنى بحقوق الإنسان دفع الأذى عن النفس الفردية و المجتمعية، على الرغم من المحاولات الجاهدة في ترميم و إصلاح التنمية البشرية و المفاهيم المستجدة و القوانين المتغيرة بين حين و آخر.
لا شك أن البحث عن المصلحة الخاصة يستند نجاحه لطابع غريزي إن أحسن الشخص أستغلاله؛ فيحقق المعجزات، و لكن المعضلة إن تترك بلا قيود و لا ضوابط لتتحول إلى قوة تدمير وحشية تهدد مجتمع بأكمله كما هو حال مجتمعنا حالياً.
لذلك، نجد أننا بصدد توفير مساحة للحرية و المصالح الشخصية ضمن إطار الضوابط والقواعد التي تحمي حقوق المجتمع و تطلعات المستقبل و توفير الأمن و الإستقرار و منع الانحراف و التجاوزات.
أليس كل ذلك التفكير و الجهد يجعلنا نكبر و نتحمل أعباء قبل أواننا ؟؟؟؟
فليبحث كلٌ منا لنفسه على حال يستوطنه و يستقر به في المستقبل و حال يرضيه و يسعده.