حقائق مرعبة تطارد منتخب النشامى!!
لا نبالغ إذا انطلقنا بالقول: إن الشعب الأردني عن “بَكرة أبيه” بدأ يحبس أنفاسه، بانتظار لقاء المنتخب الوطني، مع منتخب الأورجواي يوم غدٍ الأربعاء.
إن وصول المنتخب الوطني إلى هذه المرحلة، يعد بحد ذاته إنجازاً كروياً، أهّله لفرصة الإحتكاك بالكبار أمثال الأورجواي، بصرف النظر عما ستؤول إليه نتيجة المباراة المرتقبة بين الطرفين.
ولأن المنتخب الوطني، يعد من أهم سفراء الدولة أينما حلَّ أو ارتحل، فإنه لزاماً علينا أن نتوقف وقفة تأملٍ، بما جرى من دعم مادي لهذا المنتخب الأسبوع المنصرم تحت ما أُطلق عليه “تيليثون”، ومناقشة هذا الدعم الذي طالما نادى به الرياضيون أنفسهم، وكل من ساندهم من مفكرين ومثقفين…
إنه من المحزن جداً أن نستيقظ فجأة ذات صباح، لنكتشف أنه يوجد في هذا البلد منتخب وطني، بحاجة إلى رعاية مادية ودعم كبير لاجتياز أهم مرحلة من مراحل العبور إلى مونديال كأس العالم.
إن حملة التبرعات، التي أُقيمت تحت مسمّى “التيليثون” تعد فضيحة رسمية، أشّرت بشكل واضح على تقصير الحكومات في أداء واجباتها تجاه الرياضة والرياضيين.
ولكون الفضائح الرسمية دائما تُرحّل إلى أنفاق المجهول, ودهاليز المساءلة المُغيبة، فقد تم هذه المرة دبلجة فضيحة التقصير الحكومي تحت مسمى “التيليثون”؛ ولأن الحكومة لا تستطيع أن تلعب دوراً آخر غير دور (الفك المفترس) لجيوب المواطنين، فقد أجادت هذه المرة – كعادتها – دفن رأسها في الرمال؛ لتنأى بنفسها عن نخوة المتبرعين، ما دام المتبرعون سلموا جيوبهم طواعية لخدمة المنتخب الوطني، وبذلك أراحوا رئيس الحكومة من الدخول في مغامرة رفع جديدة، أو فرض “ضريبة كروية” لإنقاذ المنتخب من مستنقع ضعف الإمكانيات!!
إن المفارقة المؤلمة في تلك الحملة، هو أننا تابعنا سخاء المتبرعين وعلى رأسهم “جلالة الملك” بفرحة غامرة، ولّدت قشعريرة في أبداننا حد البكاء، يقابلها في الوقت نفسه قشعريرة حزن حد الندب واللطم على ما آل إليه وضع المنتخب، الذي لا ندري بأي ذنب حُرم لاعبوه من فرصة تساويهم مع أولئك الرياضيين، الذين مدوا يد العون إلى الجمعيات الخيرية في بلدانهم وبعض البلدان الأخرى؛ وذلك نظراً لما حققه لهم احترافهم المسنود من الدولة، من وفرة مالية فاضت بها أكفهم على المعوزين والمحتاجين.
إن حملة التبرعات جاءت في وقت غير مناسب البتة، نظراً للعبء النفسي الذي ألقت به على صدور وعقول لاعبي المنتخب، ورفع مستوى التوتر والإنفعال لديهم؛ خشية تعرضهم لخسارة من الوزن الثقيل، تجعلهم عرضة لألسنة مشجعيهم الذين لن يتورّع بعضهم عن القول “يا خسارة الدعم اللي أخذتوه”!!.
ولأن اللاعب كما الشاعر ابن بيئته وواقعه، فإن أداء قدميه لن يكون منفصلاً، عما يجول في ذهنه من حقائق قد تشكل أرضية لزجة، تعرقل جميع مهاراته التي من المفترض أن يتحلى بها أمام الخصم.
أعضاء المنتخب يدركون أن الخصم، ينتمي إلى دولة تعد ثاني أصغر دولة في أمريكا الجنوبية بعد سورينام، لكن فوزهم في لقب أبطال المونديال في عامي (1930، 1950) خلق لهم وزناً كروياً فاق وزن دولتهم وسكانها الذين لا يتجاوز عددهم “3,5” مليون نسمة، إضافة إلى نجاح منتخبهم في الظهور في مونديال كأس العالم “10” مرات، مما أسهم في رفع معنوياتهم التي جعلتهم يحصدون لقب بطل “كوباأمريكا” “15” مرة.
كما أن أعضاء المنتخب يدركون أيضا، بأن خصمهم جاءهم من بلد، يعد من أكثر بلدان أمريكا الجنوبية نمواً من الناحية الإقتصادية، وذلك بسبب الحرب الشرسة التي تقودها حكومتهم ضد الفساد؛ مما جعل “منظمة الشفافية الدولية” تصنفه على أنه البلد الأقل فساداً في أمريكا اللاتينية يرافقه في ذلك “تشيلي”. مما ولّد في نهاية المطاف ظروفاً سياسية، وظروف عمل وصفت بالأكثر حرية في القارة.
كما أن معدل البطالة حسب إحصائية عام (2008) بلغ 7%، والسكان الذين يعيشون تحت خط الفقر (27) من إجمالي تعداد السكان، إذا ما قورن ببلدان أخرى.
كما حازت الأورجواي على المرتبة (27) في الحرية على مستوى العالم، وسجلت في مجال محو الأمية معدلاً بلغ (98%). والأهم من ذلك كله يوجد لدى الخصم حكومة متقشفة، يقودها رئيس متقشف “خوسيه موخيكا” أطلقت عليه الصحافة لقب أفقر رئيس في العالم، فهو ما زال يعيش حتى هذه اللحظة في مزرعة متقشفة في ضواحي العاصمة “مونتيفيديو”، ولا يملك سوى سيارة واحدة “فولكس فاجن” ذات اللون الأزرق.
حتى الجغرافية اهتم بها أعضاء المنتخب، فأدركوا أنه يحد بلد الخصم من الشمال الشرقي “البرازيل” كبير عمالقة كرة القدم، والمحيط الأطلسي من الجنوب الشرقي، ونهر “لايلانا” من الجنوب، ومن الغرب كبير عمالقة التانغو “الأرجنتين”.
وفي الوقت نفسه يقابل تلك الحقائق، حقائق على المستوى المحلي غُزلت منها خيوط كرات منتخب النشامى، وخيوط كرات الأندية المحلية نسردها على النحو الآتي: تراجع ملموس في حرية الإعلام والصحافة – إستشراء الفساد في أوصال المؤسسات الحكومية – ارتفاع معدلات الفقر والبطالة – حكومات مستنسخة مصابة بالتخمة المالية – ارتفاع معدل المديونية – هشاشة مجلس “الرواتب” السابع عشر… إلخ.
حتى الجغرافية لم تنقذ بلد منتخب النشامى من سوء الحظ والمقارنة: يحده من الشمال بلد المؤامرة الكونية “سورية”، ومن الغرب بلد التنازلات “فلسطين”، ومن الشرق بلد الإنفجارات “العراق”، ومن الجنوب بلد البراميل الفارغة “السعودية”.
بربكم بعد كل ما سبق من حقائق مرعبة، ألا يحتاج منتخب النشامى إلى عصا موسى لمجابهة فريق السحرة؟!!.
m.sanjalawi@yahoo.com
للمتابعة على الفيس بوك: الدكتور محمد السنجلاوي