0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

يا "محمد جبران" أذكرني فقد كنا أصدقاء

دعوني أكتب، عن ميت،فقد ندمت يوما، عندما كتبت عن الأحياء، ربما لأن الأموات، هم الأحياء “بحسب الخاتمة”فمن اعتقدت، انهم ماتوا، ورأيت لهم خاتمة حسنة،وفي الخواتم الحسان يكمن المجد.

 وأستطيع  أن أتبجح، أنهم لن يخذلوني، ولن ينقلبوا إلى النقائص،فأرتد على عَقِبَيَّ،وأندم على مدحهم.


صديقي مصطفى جبران،الشهير “بمصطفى الصوريفي”فقيهٌ وطالب علم مجتهد، وداعية،ويتكلم بأسلوب وقور، ويسهب أحيانا في الشرح،حتى بعد أن أذكِّرَهُ، بأنني فهمت،ربما لانه يظن، أنني أدعي الفهم.

جلست عنده ذات نهار،فدخل علينا شابٌ،أدركت من خلال الشبه، بأنه شقيقه-كان لطيفا جدا،ووادعا-  قلت للشيخ:أخوك؟ قال: نعم  قلت: هذا الذي كان في الفلبين؟ قال: نعم محمد.

 

هو يكبرني وصديقي مصطفى، بعدة سنوات،كان هادئا وادعا،التقيت به أكثر من مرة بعدها، وتحدثنا سريعاً،كان حديثه رقيقاً،وأذكر أنه حدثني عن معاناةٍ، وجدها في الفلبين،لم تتغلغل بيننا صداقة حميمة،وظلت العلاقة في إطار أخوة الدين.

سمعت قبل مدة، أنه هب لنجدة المستضعفين، في سوريا،ضد بشار النصيري وجيشه المجرم،وشبيحته المجوس،وقبل أيام سمعت، بأنه استشهد هناك، ولا أزكيه على الله.

لا أدري فجأة بدأت أتضاءل! وأنزوي من نفسي، وسْط حزنٍ ساكنٍ،وبدأت أشعر أنني معاق جدا، وبعض شللٍ يجتاحني.

 

 

هناك في أعالي “السلط” نصبوا من أجله بيت عزاء،وأطلقوا عليه عرساً،نعم ثمة عُرْسٌ هناك، وأضواء من كهرباء، وحبل من رجال، يتدلى خارج الصيوان ، وشباب ملتحون، يقفون ولا أثرا لحزن أو دموع ، كل إخوته حضور،تعرفهم بسيماهم كلهم أشقاء، وفي وسط الصيوان، شيخ موغلٌ في الشيب، وطاعن في الإبتلاء، وممعن في الحمد، يفيض بشاشة كأنما نحن في عرس حقا.


صافحت إخوته، ودلفت إلى الشيخ فكان غريبا، إنه فرح بهذا العرس، ويدعو بأن ينتصر الدين،ولم أجد في تلكم ألارجاء، رائحة  الحزن! ربما هو راكدٌ، في الأنفس،على شكل لوعة حرَّى،بسبب الفراق،فيطفئها رجاءٌ، بأنهم قد قدموا، واحدا منهم إلى الله قربانا، فهذا قد يخفف لوعة الحزن ويرسم فوق جباه المؤمنين علامة البشر.

محمد ليس من أصدقائي،ولست من أصدقائه، لم أكن أذكره ولم يكن يذكرني،اللقاءآت كانت خاطفة،ليس ممن يستطيعون، التنظير بإسهاب ، جُلُّ كلامه منصب حولَ، عموميات الإيمان والتوكل.ولم اسمع باسمه يتردد كثيرا بين من أعرفهم.


وفجأة يرتقي! في معارج الشهادة،ويكتب بدمائه،درجات نسمو إليها، من الحظوة عند رب العالمين،وفي غفلة منا! يصعد في تلك المعارج، ونراه بأمنياتنا مَلِكاً ونحن ما نزال في حضيض العبودية.

هكذا ودع محمدٌ زوجته،وتعاهدا أن اللقاء، سيكون في الجنة،وتسلل في عتمة الخوف، ليس ليقطع البحر، بواسطةالمهربين، إلى أرض الأحلام، ليستمتع بكثير من ألوان العملة الصعبة؛وإنما لأرض الخوف، والدخان، ووجع الجراح، والسخام والبارود، والأشلاء.


وهناك أبلى، في عدو الله، بما رزقه الله، من البلاء؛ ثم انتفضت أشلاؤه، لتكتب سطرا، في تاريخ الدين الماجد.

هكذا كتب محمد (فليحيا “الصامتون” وليصعدوا، في معارج الكرامات، ولينفضوا عن كواهلهم، غبار هذه الدنيا، المليئة بالخداع والمتاع وبالرعاع) .

مِتنا ذات ثرثرة، يا محمد جبران، وحَييتَ في صمتٍ، فاشفع لنا إن تلاقينا، فها إنني  أزعم أننا قد كنا أصدقاء).