قط أم هرة …!! بقلم
بالأمس كنا نداعب طفلنا بالقول بأنه كالأرنب في جماله، لتبادر إحدى شقيقاتنا بالقول بأنه أيضاً كالهرة في روعتها، لنسجل إعتراضنا مازحين وقاصدين كلامنا بأن الأصح هو أنه كالقط وليس كالهرة، فلا يصح نعت مذكر بصفة أنثى حفظاً لحقوقه حتى وإن كان رضيعاً، وحرصاً منا على إنتقاء الألفاظ التي نتفوه بها أمام طفلنا وإن كان لم يكمل عامه الأول بعد، مما دعانا لكتابة هذه السطور التي سنضع بها بعض الحقائق التي تبين ما يمكن أن تفعل الكلمة بعقول أطفالنا ومدى تأثير ذلك على حياتهم بعد ذلك.
فكثيرون منا يطيرون فرحاً بقدوم أول مولود لهم، بل ويقيمون أكبر الولائم للمناسبة، ويعملون على التعبير عن فرحهم بكل الوسائل المتاحة، خصوصاً إذا ما كان هذا المولود قد دق أبواب الحياة بعد إنتظار طويل لوالديه، ثم نجدهم يعملون كل جهدهم لرسم الابتسامة على وجه مولودهم، فهو طفل بأمس الحاجة لبدء حياته بابتسامة يزين بها أيامه.
لكن المحزن هو بعض تصرفات الآباء والأمهات مع مواليدهم، ممن يتناسون بأنهم أمانة في أعناقهم سيحاسبون على حفظهم لها، فنجدهم يتلفظون على أطفالهم بألفاظ لا يكون من الطفل الذي لا يفهم معناها إلا تكريرها ولو في داخل عقله، ليحفظها ومن ثم يعمل على ترديدها، والأدهى هو ما تتركه من أثر في عقله بعد أن يكبر، فعلينا أن نتذكر بأن تأثير الكلمة على الببغاء الذي لا يملك عقلاً عندما تذكر كلمة أمامه هو تكرارها مباشرة، فما بالك بطفل منحه الله عقلاً يميز به حتى تقاسيم وجهك !
هذا إضافة إلى حقيقة أن أكثر ما يساهم في انحراف الأبناء هو سوء استخدام الألفاظ والكلام البذئ، والأمثلة كثيرة منها شاب هرب من منزل أهله بسبب ما يسمعه من الكلام السيء الذي يسمعه منهم، وفتاة اشتكت الحال من انحرافها وأنها غير راضية عن نفسها ولكنها فعلت ذلك انتقاماً من سوء كلام والديها لها !!
ومن الأخطاء التي نرتكبها أحياناً الحب المشروط للأبناء، كأن نشترط حبنا لهم بفعل معين مثل: أنا لا أحبك لأنك فعلت كذا، أحبك لو أكلت كذا أو لو نجحت وتعلمت، مع العلم بأن هذا الأمر يشعر الطفل بأنه غير محبوب ومرغوب فيه، وإذا كبر يشعر بعدم الانتماء للأسرة لأنه كان مكروها فيها عندما كان صغيرا، ولهذا الأطفال يحبون الجد والجدة أو المتوفين من أهلهم عموماً أكثر لأن حبهم لهم لم يكن يوماً مشروطاً !
أضف إلى ذلك إستخدام معلومات لا أساس لها من الصحة وزرعها في رأس الطفل من صغره، مثل: (الرجل لا يبكي، الأطفال لا يجوز لهم الكلام، الأطفال كالقرود !!)، أو الدعاء عليه بألفاظ مثل: (أخذك الله وجعلني أرتاح منك، أتمنى أن تموت، هذا الولد ملعون، عاقبك الله وأحرقك بالنار)، أو إحباطه مثل (أنت لا تفهم، اسكت يا شيطان، ليس منك فائدة (، أو حتى تهديده بشكل خاطئ ولو بطريق الدعابة بألفاظ مثل: (سأكسر رأسك، سأشرب من دمك، سأذبحك(، أو منع الطفل من رغباته بدون إبداء أي أسباب مما يسبب إلغاء شخصية الطفل وزعزعة ثقته في نفسه، ومما يؤكد كلامنا دراسة تفيد أن الطفل الذي يتعود من أهله على سماع الكلام السئ يكون قد استمع من والديه منذ صغره وحتى سن المراهقة إلى ستة عشر ألف كلمة سيئة من الشتائم !
فتخيلوا معنا طفلا لم يبلغ من العمر عشر سنوات وفي قاموسه أكثر من خمسة آلاف كلمة مدمرة !! وكيف سيكون أثرها على حياته ونفسيته.
وقد لخص لنا رسولنا الكريم هذا المقال بأربع كلمات في قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء) رواه الترمذي.
فالأصل أن نتجنب هذه الرباعية السلبية وأن نستبدلها برباعية إيجابية مع أبنائنا، فنركز على الحب والتشجيع والمدح والاحترام ، ولعلنا نذكر أنفسنا دائماً بأن الكلمة الطيبة هي أهم من العطية، فقد قال تعالى في كتابه الكريم: (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم) سورة البقرة الآية 263.
ونحن نعطي أولادنا كل شيء من طعام وألعاب وترفيه وتعليم، ولكننا ننسى أحياناً بأننا نحرقهم وندمرهم بالكلام السئ والغير لائق، خلافاً لمنهج ديننا الحنيف، وربما كان من العجيب اكتشاف العلماء المعاصرون أن (الكلمة الطيبة والصدقة) لهما نفس الأثر على دماغ الانسان !
لذا فلنحرص على انتقاء الكلام الطيب في بيوتنا فللكلمة أثر عظيم، والقرآن الكريم أصله كلمة طيبة، والإنسان يدخل في الدين ويخرج منه بكلمة، والأعزب ينتقل للحياة الزوجية ويخرج منها بكلمة، فلا نستهين بالكلمة ولنحرص عليها، وعلى الكلمة المؤثرة التي تساهم في بناء أطفالنا وتنميتهم، فبالكلام نصنع السلام والوئام، ويكون أبناؤنا باذن الله عال العال وتمام التمام.
ورحم الله والدة الدكتور عبدالرحمن السديس التي غضبت منه يوماً لتنفجر في وجه داعية في ساعة إجابة: إذهب من وجهي جعلك الله إماماً للحرمين الشريفين ….!
وقبل الختام، نقول رزق الله كل من مر من خلال هذه السطور ذرية تفوق في جمالها أجمل القطط، وحفظها وتربيتها أجمل التربية باذن الله، وبالمناسبة سواء كانت أجمل من قط أو هرة.