ازدواجية تدفع باتجاه الإستعداء
من أبشع المآخذ على الدولة، أية دولة، والتي تفقدها هيبتها ومصداقيتها وبالتالي تجعلها تخسر ثقة المواطنين بها، الإزدواجية والإنتقائية بالتعامل مع بعض القضايا ومع الأفراد. ونهج كهذا يخلق قلقا وتوترا وشعورا بعدم الإطمئنان لما يصدر عن الدولة، وهذا بدوره يقيد حركة وإنتاجية الفرد المادية والفكرية مما يجعله مطالب بأن ما ينطق به ويفعله يتطابق مع الدولة التي تفتقر للمعايير الثابتة بتقييمها لما يطرأ من أحداث على المستوى العام أو الفردي.
وهذا بدوره أيضا يخلق أجيالا نمطية مسيرة ومسخرة لمزاجية الدولة التي تتعامل بناءا على مقدار ما يخدم رأي هؤلاء الأفراد مصالحها الضيقة ويرضي غرورها. وهي بالمقام الأول مصالح قائمة على إرضاء الآخرين الذين إرضاءهم ربما يأتي بمردود تنتفع منه الدولة الرسمية وليس المواطن. ومن هنا يأتي الحرص من قبل الدولة على محاولة ضمان عدم إزعاج هذه الدولة الشقيقة أو تلك. ومن هنا نستطيع القول أن ديموقراطيتنا عرجاء ورغم وجود العكاز إلا أن العرج واضح للعيان ولم يخفيه العكاز.
من مظاهر الإزدواجية التي تحرّم هنا وتحلّل هناك و” الجرم ” هو نفسه بالحالتين، اعتقال الصحفيين نضال فراعنة وأمجد معلا بسبب نشرهما شريط فيديو على موقعهما الإلكتروني يتعلق بشقيق أمير دولة قطر سبق وأن شاهده مئات الملايين من خلال عرضه على اليوتيوب. وقد قرأنا وشاهدنا إنتقادات لاذعة جدا وتقريعا وتشهيرا وكيلا من التهم للكثير من الدول الشقيقة وزعماءها من صحفيين ونواب وكتاب وأصحاب رأي ومثقفين إلا أن عين الرقابة قد أغمضت عنهم. سيسي مصر قيل عنه أنه من أم يهودية، والرئيس المؤقت قيل عنه أنه سبتي ورئيس سوريا كتب عنه ما لم يكتب عن هتلر. جلالة الملك عبدالله طاله الإنتقاد من الكثير من الناشطين والحراكيين وبعض المواقع الإلكترونية وزوجته انتقدت مباشرة لظهورها المتكرر على الإعلام أكثر من الملك نفسه.
لكنا لم نلمس أي تحرك من الجهات المعنية باتجاه تقييد من تناولوا ما كان يعد من المحرمات. ولم يسبق أن اعتقل صحفي أو صاحب رأي جراء محاولة انتحارية باقتحامه عالم المحرمات التي طالت الملك وزوجته والأمراء والأشراف. لماذا قامت الدنيا على نضال وأمجد وكأن نشرهم لذلك الفيديو قد تم تصنيفه مع الأعمال الخيانية والتجسسية لصالح العدو وتجارة المخدرات؟؟
ومن باب الحرص على العلاقات الأخوية مع الدولة الشقيقة التي قالت جزيرتها عن الاردن يوما أنه كيان مصطنع، وأن الحسين طيب الله ثراه هو من أبلغ اسرائيل بتخطيط سوريا ومصر لشن حرب ( 1973) عليها، وهي الدولة التي وقفت بكل مالها وغازها سدا منيعا بوجه ترشيح الأردن لأحد الأمراء لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، مثلما وقفت نفس الموقف ضد الأمير علي لتولي منصبا رفيعا بالفيفا، كان يمكن معالجة الأمر بإحالته لقوانيين المطبوعات والنشر والإكتفاء بتوجيه تنبيه لموقع جفرا نيوز أو حجب الموقع لمدة معينة، والإعتذار لقطر بالطرق الديبلوماسية والبروتوكولات المتبعة بين الدول بهكذا شأن كإجراء يشعر الدولة الشقيقة أن الحكومة الأردنية لا تؤيد مثل تلك ” الإساءات ” وأنها لاتمثل موقف الحكومة وأن ديموقراطيتنا تسمح بحرية الرأي والنشر ولا تكمم الأفواه, فاعذرونا أيها الأشقاء.
لقد قامت قناة الجزيرة القطرية وما زالت بتمرير ما يسيء للأردن ملكا وحكومة وشعبا في خضم تقاريرها الإخبارية وتقديم ما تريد إيصاله للمشاهد بطريقة مشوهة تجعل من الأردن وسياساته تحت الأضواء المسلطة، مما يعطي انطباعا سلبيا يبني عليه المشاهد العربي رأيا مغلوطا وظالما مثلما أعطاه التشويه من انطباع بموضوع أحداث الأمن الداخلي (1970). رغم كل هذه الإساءات للأردن وقيادته السابقة والحالية لم نلمس أية نسبة من الحرص القطري على العلاقات مع سقيقتها الأردن كما هو الأردن حريص عليها.
فلماذا القلق والإهتمام الزائدين بمن لا يقلق لشأننا ولا يهتم للعلاقة الدافئة معنا؟؟ حتى مدير مكتب الجزيرة بالأردن لم يتورع بنقل الاحداث بطريقة تجعل الدولة الأردنية بموقع المدان والمتهم والمستبد، فلم نلمس من قطر أن أوقفت برنامجا أو مذيعا أو مراسلا أساء للأردن. بعبارة أخرى, نحن لا ندعو لمناكفة أي دولة شقيقة ولا نرغب بعلاقات متعكرة, بل ندعو للمعاملة بالمثل وهو الأسلوب الشرعي والمتعارف عليه بين الدول, ومن ساواك بنفسه ما ظلمك. وليعلم القاصي والداني أن المواطن الأردني الغيور لا يطأطئ رأسه للمال والغاز والوظيفة حتى لو عضه الجوع. والكرامة تصان أكثر ما تصان بالمواقف الصعبة والعصيبة.
أما قضية نضال فراعنه وأمجد معلا، والله أعلم، ظاهرها الحرص على قطر ولا ضير بذلك وباطنها مرتبط بشأن داخلي عندما نشر موقع جفرا نيوز أولى حلقاته عما يجري بالديوان الملكي من كولسات وما يقوم به موظفو الديوان من استغلال لمواقعهم القريبة من رأس الدولة يكون بالنهاية ضحيتها المواطن وتلعب دورا هاما بدفع الناس للشارع مما خلق فجوة بين النظام والشعب آخذة بالإتساع يوما بعد يوم جراء الطاعون المستشري بجينات زمرة مقربة من صناعة القرار لا تنتمي للوطن ولا تنتسب للأردنيين ولا ولاء لها إلا بمقدار ما تنتفع به. ونتمنى على المعنيين أن يتنبهوا للحاجة الملحة لطمر هذه الفجوة بالسرعة الممكنة قبل أن تتسع لمساحة يصعب ضبطها. هناك من التراكمات المخزنة لدى الناس ما يكفي لثورة. والتعويل على الصبر والتحمل والكلام المعسول والساحر إن نجح فلن ينجح بكل الظروف ورئيس حكومتنا يدفع بنا بكل قواه نحو توسعة الفجوة.
وهذا يسوقنا إلى ملاحظة أن الحلقة الثانية مما وعدت به جفرا نيوز لم ينشر بعد رغم مرور أكثر من أسبوعين على نشر الحلقة الأولى. نحن مع العلاقات الصحية والودية والأخوية مع الدول الشقيقة كافة شرط أن يكون الشعور متبادل ومتماثل وأن تكون الغيرة على تواصل الود والعلاقات الطيبة متوفرة عند الطرفيين وليست مقتصرة على طرف دون الآخر.
كانت هناك إيحاءات بأن انقطاع الغاز المصري عن الأردن مفتعل من قبل النظام المصري الإخواني، مما كلف الخزينة الملايين وفسر على أنه السبب الرئيسي بعجز الموازنه, وها هو النظام الجديد الذي رحبت به القيادات العربية لم يحرك ساكنا بخصوص إعادة ضخ الغاز للأردن، فمن نلوم الآن؟؟
لتعلم الدولة أن الإزدواجية والإنتقائية مرضان إن تم تكريسهما وإقرارهما ضمن النهج اللاتوافقي مع طموحات الأردنيين, فستحل كارثة تتماثل مع كوارث الدول الأخرى، نسأل الله أن يشمل بهدايته الدولة وتتعظ من أوضاع غيرنا من الدول لكي نحافظ على أردن آمن وسالم وعصي على الفوضى والصراعات.
ونناشد الدولة ألا تستعدي الجسم الصحفي والإعلامي الذي يمكنها بتحسين نهجها أن تكسبه فزعة لها وذراعا تذود عنها إذا ما رأى هذا الجسم أن العدل متوفر والإزدواجية ليس لها مكان وأن الغيرة على المواطن تأتي بمقدمة أولويات الدولة. بل نتوقع من الدولة دعم الدور التنويري الذي يكشف العتمة التي تنطلق منها أدوات الإساءة للشعب الذي يرى بالنظام مبتعدا عنه. وعليه نتوقع من الدولة الإفراج عن الصحفيين المعتقلين ولا ننتظر حتى يأمر جلالة الملك بالإفراج وتظهر الدولة لتؤكد مرة أخرى أنها تقول ما لا تفعل.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com