0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

يعيش المدير

 
  
دخل مدير المدرسة، برفقة لفيفٍ من أعضاء الهيئة التدريسية، حاملاً مجموعة من الكتب، تدور جميع عناوينها حول “الديمقراطية”، بعد التحية والسلام على أعضاء مجلس الطلبة، الموجودين في مسرح المدرسة بادرهم المدير بعبارات التهنئة والمباركة، على فوزهم في انتخابات المجلس، والتي شدد على أنها كانت انتخابات (نزيهة وشفافة)، وفي هذه الأثناء وقف أحد الطلبة بشكل مفاجئ صارخاً: يعيش المدير، يعيش المدير.. ليردد بعده الطلبة صارخين: يعيش.. يعيش.. يعيش…
بعد انتشاء المدير بتلك الصرخات، لقد أخبر الطلبة على أن سبب هذا اللقاء، جاء حرصاً منه على التأكيد لهم، بأنهم قد أصبحوا الآن قدوة لجميع الطلبة في المدرسة، وبأنهم ضمير الطلبة، ولذا فإنه يترتب عليهم، نقل جميع مطالب الطلبة للإدارة بكل أمانة وإخلاص، ليختم بالقول: لا خير في مدرسة “فسد ممثلوها”.
بعدها قفز الطالب نفسه، ممزقاً أسجاف الصمت بصوته: يعيش المدير، يعيش المدير، لتهتز القاعة بعدها بصوت الطلبة، وأصوات أعضاء هيئة التدريس: يعيش.. يعيش.. يعيش…
فما كان من المدير، إلا التوجه للطالب مستفسراً عن اسمه؟
الطالب: طايل
المدير: أنت يا بني، تمتلك حنجرة ذهبية وصوتاً جهورياً، وهذه المدرسة بحاجة إلى صوتٍ مثل صوتك، ولذا قررت تعيينك رئيساً للمجلسِ.
بهذا التعيين ألغى المدير إجراء انتخابات لفرز رئيس للمجلس، كما قام بتعيين نائب للرئيس فور سماعه منه الكلمة السحرية: (يعيش) معلِّلاً ذلك بقوله لنائب الرئيس (الطالب سمير): بأنه يمتلك صوتاً دافئاً، شعرنا بدفئه في هذا اليوم البارد والماطر بغزارة، فالمدرسة بحاجة إلى مثل هذا الصوت.
وبالطريقة نفسها، تم تعيين (أمين السر) و (أمين الصندوق)، على وقع اهتزاز القاعة بعبارات التعييش. وفي ظل التصفيق الحار، دخل (آذن المدرسة) مُجلِّلاً بالإرتباك والهلع، متجهاً نحو المدير بقوله: يا (سيد الكل) لقد اقتحمت الأمطار الغرف الصفية لطلبة المرحلة الإعدادية ، فكما تعلم بأن زجاج النوافذ قد تحطم بشكل كامل؛ بسبب كثرة المشاجرات العنيفة بين الطلبة.
فرد عليه المدير قائلاً: لم كل هذا القلق يا غبي؟!! ألا تعلم بأن لدي خطة طوارئ لا يقدر قيمتها الأغبياء أمثالك؟!! انقلوا جميع الطلبة إلى بيت الدرج.
وما كاد المدير يكمل عبارته، حتى ضجت القاعة بالتعييش والتصفيق، وهنا توجه المدير للطلبة مشتعلاً كبراً: إن المدير الناجح هو الذي يعرف من أين تؤكل الكتف، ويستبق الكوارث قبل حدوثها بالتخطيط، والإستعداد والتدبير.
ما بين التصفيق المستمر، ومقاطعة آذن المدرسة المستمرة، وهو يبلغ المدير في كل مرة عن دخول الأمطار، إلى جميع غرف المراحل المدرسية، كانت الإجابة دائماً: انقلوهم إلى بيت الدرج يا أغبياء.
ورغم محاولة الآذن الشرح في كل مرة للمدير، على أن المساحة الموجودة تحت بيت الدرج، لا تستوعب الأعداد الهائلة للطلبة، إلا أن المدير كان يكرر في كل مرة مقولته المعهودة: انقلوهم إلى بيت الدرج يا أغـ.. أغـ.. أغـ… وهنا قبل أن يكمل الكلمة الأخيرة، شهق المدير ثلاث شهقات، ابتلع من خلالها الهواء كلّه في المسرح، حتى كاد يلتصق بمنخريه، جميع الموجودات شاملة الطلبة وأعضاء هيئة التدريس، ليُفَاجأ بعد ذلك جميع الموجودين، الشاخصة أبصارهم نحوه بكل حفاوة الصمت، “بعطسة قاريّة”، ارتجّت لها أقفاصهم الصدرية، مع ارتجاج النوافذ والأبواب.. ها تسوووو…
الأمر الذي جعلهم بعدها يُهرعون إلى الصراخ، بطريقة جرحت أحبالهم الصوتية وهم يمسحون ما علق على وجوههم من رذاذ: يعيش.. يعيش.. يعيش…
بعدها انسحب الجميع، وظل المسرح تتردد في جنباته، أصداء التصفيق والتعييش، وكتب الديمقراطية المبعثرة، وظل (بيت الدرج) يضج بأنفاس متهالكة، وأصوات “قَوْقَأة” تغري (النُّسُورْ).
الدكتور محمد السنجلاوي
m.sanjalawi@yahoo.com