ورق أيلول
إذا كان ” ورقه الأصفر شهر أيلول ” قد ذكّر فيروز ( أطال الله في عمرها ) براحلٍ أو هاجر ، فانّ لكلٍّ أن يتذكر ما يريد . فالأماكن والأزمان والوجوه تُذكّرنا بأشياء وأشياء لها ارتباط بأحداث وأشخاص . فكل مكان أو تاريخ أو وجه يُخفي خلفه آلاف القصص والحكايات ، ولربما لأيلول وما يحدث فيه نصيبٌ كثير .
والذكريات ( بحلوها ومرّها ) هي جزء من كل إنسان ، بل ربما أجمل وأصدق ما فيه . نتذكر فيتملكنا شعور بالسعادة تعبّر عنه ابتسامة ، أو نشعر بالحزن والأسى فتتساقط دمعات علّها تغسل نقاط مظلمة أو تمسح جرحا عفا عليه الزمن ولكنه ترك في النفس ندوبا وآلاما . أو نطلق تنهيدة على فرصة ضاعت أو أملٍ حالت ظروف دون تحقيقه ، أو خيباتٍ تعرضنا لها وأناسٌ خاب أملنا بهم .
ورق أيلول الأصفر الذهبي اللامع ، هو مرحلة ضمن مسيرة طويلة للورقة من لونها الأخضر الجميل الذي يُضفي على الشجرة جمالها وبهاءها ، إلى اللون الأصفر وهو مرحلة مؤقتة تقود مسرعة إلى مرحلة اليباس فالسقوط . وهكذا هي رحلة الحياة تبدأ بمنحنى يرتفع ثم يستقر قليلا لا يلبث أن ينحدر .
والتّحوّل ليس فقط خاصيّة لورق أيلول ، فهناك المتحولون والمتلونون من البشر ، من حالٍ إلى حال ، أو من لونٍ إلى لون رهَبا أو رغَبا . فلكل متحوّل سببه وظروفه ومصالحه . والمصالح عادة تكون متعارضة أو متضاربة . دون النظر إلى مصالح الناس أو مصلحة الوطن . فعندما تتقدم المصالح الشخصية تتأخر باقي المصالح والاهتمام بها .
تساقط الأوراق عن الأشجار يُذكرنا بالإنسان الذي يولد عاريا ويذهب للقاء ربه مجردا من لباس كان يحرص على الظهور به أمام الناس ناسيا أنّه ولباس التّقوى ذلك خير . فالشعور بالعُري إحساسٌ فظيع ، لا يحتمله أيّنا ولو للحظة ، فسرعان ما يبحث عمّا يواري به نفسه . وقد استغرَبت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها حين سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول ” يُحشر الناس يوم القيامة ، حُفاةً ، عُراةً ، غُرُلا ” قالت مستغربةُ ، يا رسول الله : الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال : يا عائشة الأمر أشدّ هولاً من أن يُشغلهم ذلك .
فما بال البعض لا يخجلون من عريهم الأخلاقي ، مع شدة حرصهم على الظهور بكامل أناقتهم ولياقتهم وعطرهم على الناس وفي المجتمعات وأمام وسائل الأعلام . والحمد لله أنه لا توجد حتى الآن كاميرات تصوّر هذا النوع من العُري . وإلاّ لتغيّرت نظرة العامّة لبعضٍ من أهل المظاهر والمناظر ، والمناصب والمصائب . فمن تدثّر بالوهم لن يحصد سوى الخيبة .
يضعف ارتباط الأوراق بأصلها فتسقط مع أدنى حركة أو هبّة ريح . فماذا نقول لمن تظنّ صلتك بهم وصلتهم بك أقوى من أن تفصمها أيّ قوّة أو تؤثّر فيها أيّة ظروف ، ثم تكتشف ، بعد فوات الأوان ، بأنّها كانت وهما وأنّها أوهى من بيت العنكبوت . فالعلاقة بين البشر علاقة رضائيّة لها طرفان ، وأيّ علاقة من طرفٍ واحد لن تستمر وأيّ علاقة تربطها مصلحة ستزول بزوالها .
وبمناسبة الورق هناك ملاحظة لوزير التربية والتعليم وأنا أعلم أنه اداريّ متمكّن ومنفتح وصاحب قرار ، أن يتدخّل لتقليل عدد الدفاتر وأحجامها وأحيانا نوعها التي يطلبها المعلمون من الطلاب مما يسبب إرهاقاً للأهل وللطلاب . كذلك المسارعة للنظر بحجم الكتب وإلغاء الحشو والتكرار من المناهج الدراسية .
ليس كل أصفر ويلمع ذهباً ، ولكن الجائع يحلم بسوق ( العيش ) حسب رأي الأخوة في مصر . والذهب ومهما زادت قيمته فانّه لا يغيّر إلا في النفوس التي تريد أن ترفع قدرها بعوامل خارجية ومصطنعة ناسين بأنّ قيمة الإنسان وأهميته تنبع من قيمه وداخله وعمله ، فالقشور والأوراق الصفراء لن تدوم وهي إلى زوال .