ذكريات مواطن…
وكالة الناس – كتب .د.أجمل طويقات العبادي – كبرنا في وطننا وغزا الشيبُ شَعْرنا، وما اكتنفنا يومًا شعورُ الخوفِ على الوطن ثقة بأن للبيت رب يحميه، وقُيّضَ له رجالٌ ينامون، وعيونهم مُتفتّحةٌ، وقلوبهم يقظةٌ وزنودُهم على الحقّ متكئةٌ. مَرَّ الاردن بأزماتٍ، وما تأزّمنا, تعرَّضَ للُؤم الصديق قبل العدو وما جزعنا, واختلطت بعض الأوراق وما احترنا, وتناوشته هزاتٌ وما ارتجفنا. كُنَّا صغارا في أعمارنا كبارا في ثقتنا بالله. كُنَّا نتيقَّنُ أنَّ طريق اللصُوص مرصودة المنافذ مسدودة. كان يقف وصفي شَامخًا، يحمل مِعْوَلُه فيكفينا. وهناك هزّاع، وغيرهما. وكان من خلفهم الُحداة النَّشيد تلو النشيد: الوطن أغلى، الوطن أغلى. كان الشّماغُ المُهَدَّبُ رمزا للفخار، وعُنوانا للكرامة والإباء، جعلوا منه – اليوم – طُقوسًا للضيافة في المناسبات، فدلال القهوة يترسَّمُ بزيِّهِ العربيِّ، ولا يفهم منها إلا معنى الخدمة والانحناء. تتواردُ الخواطرُ على قلب المحبّ كما يتوارد عذْبُ الماء على صَفَاةٍ، فَيَجْمُلُ كُلٌّ من الماءِ والصّفَاةِ على صفحة الوطن، ويُتَجلّى سَمْعُ الأذنِ، ويُسَّرُ عَيْنُ الناظر في ما يراه. وهنا بين النَّظرِ والسَّمعِ غُناةٌ. أليس حادِي الرَّكب يُطْربْه وقَعُ الحُداة؟ إنّ الرجالَ، حين يَعُزُّ الرجال عدّوا مئات. أوليس الوطن غرسًا ينمو، يُثْمرُ، يَلِدُ كالأمهات؟ أيَتَغنّى الأردنيُّ بفراس العُجلونيّ وكايد عبيدات وحابس وغيرهم عبثًا؟ أم أن الأرحام غَدت تَضيقُ فَعَقَرتْ؛ فلا تَلِدُ غير الطُّغاةِ، أم صار الوطنُ زوجًا شُمُوصًا أعرض عن قرينُه فما استمرت الحياة؟ أم أنّ الأصايل غُيّبتْ عنها سُرُوجُها؛ فلا غارتْ ضَبْحًا، ولا عَدَتْ قَدْحًا؛ فَتَوارى عن الأَنظارِ نَقْعُها، وأَبقَتْ لبعض النَّهِيقِ نَهِيقًا؟ فَتَرى الغِربان لاح نَعِيقُها، وأَطْرَقَتْ السَّمعَ عن هَدير الأُسود نَعيقًا. أم أنَّ الأسودَ قد أَلِفت صَوتَ المِواء، فَصارتْ للحِمْلان رَفيقًا، أم رَوّضُوها في القفص الكبير، يَومًا فَيَوْمًا،عشْرًا فَعشْرًا. أَيا وطني، وفيك بَعضُ قُلُوبنا. أَتراك أَهملتنا؟ أنسيتنا، أم نحن القساة؟ أين المحبون في وطني؟ أين الحراثون في غرسي؟ أين كُلَيبٌ، أم أنّ ابن مُرّة قتل البَسوس، وتوارى تحت الرَّوَاءِ. وَلْيَعْذُرني وطني إنْ أَكْثَرتُ التَّساؤلات دون نِداء، أَيُسْتَصرخ القومُ، وفي الليلة الظلماءِ يُفْتَقَدُ البدرُ، وعلى الغافلين سلامٌ. أَيَضِيقُ قلبٌ وُسعُه سَقْفُ السماء؟ فلا غرو أنْ يَضيقُ وِطِني إذا غاب عنه ا لأنْقياءُ؟ إنّنا اليوم أكثرُ حاجةً إلى التلاحم والترابط، وتصدير الأوفياء، فما تأخرنا بجهلٍ، ولا نقص كفاءات. بل حين كثر الطامعون والطامحون دون عناء، وقُرّب زيدٌ وأُبعد عمرو، فكان النَّسيفُ بين شِدقيّ من ” إن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث”،” وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ”. لم نكن بالأمس القريب أكثر علمًا وانفتاحًا منه اليوم. لكن ما عدمنا حياض المخلصين، ممن حملوا “طواريهم” في سياراتهم، فاذا ما وجدوا غرسةً زرعوها، أو عودا معوجا أو يابسًا إلا قلموه، حتى، يسْتَوَي “عَلَى سُوقِهِ، يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ”. الوطن لنا جميعا، فلنجعله طوق النجاة. ولتحترم الأقلية المترفة ثقافة الأغلبية المتعبة دون تنكر لهوية كلٍّ منهما. حماك الله يا وطني، حماك الله يا بعض قلبي .
د أجمل الطويقات