قراءة بالنهج الأمريكي
قراءة بالنهج الأمريكي
راتب عبابنه
من السذاجة أن يعتقد البعض أن التدخل الغربي بقيادة الولايات المتحدة يأتي بسياق الدوافع الإنسانية وحقوق الإنسان التي تتظاهر بها أمريكا وفريقها. والتاريخ القريب به من الشواهد ما يجعلنا فاقدي الثقة بهذه الدول مثلما يجعلنا واثقين من أنها تتدخل بالشؤون العربية والإسلامية بسبب الهاجس الديني أولا وثانيا الوفاء لتعهدها الذي أخذته على نفسها بأن توفر الأمن لربيبتها وأن تعمل على القضاء على كافة مصادر القلق الإسرائيلي وأن تبقى اسرائيل الدولة الأقوى إقتصاديا وعسكريا وأن تعمل بالتالي على تقسيم المنطقة لإضعافها وإيصالها لحالة من التمزق والضعف لا تقوى بها هذه الدول على درء الأخطار وبذلك تضمن أن تنام اسرائيل قريرة العين وتفرض شروطها على دول الإقليم.
نلاحظ أن التسابق المحموم على ضرب سوريا ظاهره إنساني. السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لا تتحرك أمريكا وحلفاؤها إلا عندما ترى أن مسار الأحداث يجري بصالح القوى المعارضة وهي بالغالب إسلامية؟؟ ولو كان الدافع إنساني والهدف هو إنقاذ حياة الناس فلماذا لم تتحرك مبكرا وقد أزهقت أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء؟؟
ألم تكن “المبادئ” هي ” المبادئ ” بحالتي القتل؟؟ أليست مبادؤهم تحرم القتل مهما كان حجمه ومهما كانت أسبابه؟؟ قبل ذلك لنا عبرة من الحرب على العراق الذي كان يشكل مصدر القلق الأكبر بالنسبة لإسرائيل (سبب أمني) وقبل ذلك الحرب على أفغانستان بعد أن تمكنت منها طالبان (سبب ديني). ولنفس السبب الأخير تأتي ممانعة الغرب عن قبول عضوية تركيا, إذ لو قبلت بها ستكون جسما مسلما غريبا بين دول كلها تدين بغير الإسلام؟؟
التدخل بالصومال, ألم يأتِ بنفس السياق الديني بعد أن أخذت سطوة الإسلاميين بالتنامي؟؟ ألم تسارع دول الغرب بالهجوم على ليبيا لتخطف انتصار الشعب الليبي الذي تتقدمه الجماعات الدينية؟؟ ألم تسوء الأمور ويكثر الإغتيال بتونس بعد أن سيطر الإسلاميون على الحكم لعرقلتهم وإفشالهم لخلق ذريعة للتدخل “الإنساني”؟؟ ألم يتم الإنقلاب على الإخوان بمصر بعد أن استقر الحكم لهم وبالإنتخاب وصورهم المغرضون شياطين يجب الخروج عليهم؟؟
بعد هذا السرد السريع للأحداث بالإقليم العربي نرى أن العامل الديني يلعب الدور الأهم والقاسم المشترك برسم السياسات الغربية وكيفية التخطيط للنيل من دول المنطقة، وما هذا الذي يحصل تجاه سوريا آخر قلاع الخطر, ولو من وجهة نظر الغرب وإسرائيل, إلا تمهيد لشرق أوسط جديد سبق ونادت به أمريكا على لسان وزيرة خارجيتها كونداليزا رايس. وشرق أوسط جديد بالمفهوم الغربي يعني التقسيم على غرار سايكس- بيكو التي قسمت الوطن العربي على أثر اشتداد المرض بالإمبرطورية التركية ( الرجل المريض).
ويأتي بمقدمة أولويات الغرب الذي تحركه اسرائيل من خلال لوبياتها الصهيونية, خلق واقع سياسي وجغرافي جديد يسمح بتوطين الفلسطينيين وتفريغ فلسطين من أصحابها يسبقه الإعتراف والإقرار بيهودية دولة اسرائيل بمعنى عدم السماح لمن هو غير يهودي بالبقاء على أرضها وذلك تمهيدا لتحقيق ما يسمى “الوطن البديل” والمرشح له الأردن من وجهة نظر اليهود ومن يلف لفهم.
ألم يحن الوقت ليصحو قادتنا ويكتشفوا أن الغرب يتلاعب بإرادتهم ويستغل سلطانهم ويستخدمهم كأدوات تنفيذية لمخطط كبير نحو التمزيق والتشرذم والتقسيم؟؟ ألا يرى جميعنا أن المال العربي لا يستخدم إلا لقتل العربي ليلعب دورا قذرا بدعم وتمويل مخططات الهيمنة الغربية ومعها اسرائيل؟؟ متى لعب المال العربي دورا اجابيا بخدمة قضايانا والوقوف بوجه الغطرسة الغربية؟؟ المرحوم الملك فيصل بن عبدالعزيز(السعودية) بدعم من المرحوم الشيخ زايد آل نهيان (الإمارات) قاد حملة قطع النفط عن الغرب عام 1973 وتمت معاقبته بالإغتيال من ابن أخيه “المختل عقليا” كما طفى على السطح.
المال العربي صار سبة على العرب وسببا للحفاظ على الكراسي التي لا يغادرها أصحابها المخلصون إلا بانتهاء أجلهم. ونراهم حجَّابا أمناءا على أموالهم ويحافظوا عليها رصيدا تحت طلب أمريكا لتصنع به ما تشاء من قتل العرب وتمزيقهم والوعد بالحفاظ على سلطان الحجَّاب. الإتحاد السوفياتي سابقا تمت رشوته بأربعة مليارات دولار من دول النفط لكي لا يعارض العدوان على العراق. وها هي روسيا خليفته يتم إغراؤها برشوة سخية مماثلة من قبل نفس الدول كي تلتزم الصمت حيال العدوان القادم على سوريا آخر مصادر القلق الإسرائيلي.
إن كان لا بد من تحميل المسؤولية لجهة ما، فتلك الجهة هي الحكام العرب وبمقدمتهم من بيدهم المال العربي الوفير الذي يمكن استخدامه لصالح الأمة وقضاياها لو صدقت النوايا وكان للحس الوطني نصيب عندهم. الولايات المتحدة بديموقراطييها وجمهورييها لا تستطيع التلاعب بالإرادة العربية الرهينة بيد الحكام لولا وجود الإستعداد والرضى لديهم وهم فارضوا أنفسهم على شعوبهم بالقهر والقمع والإقصاء.
ليس هناك من مخرج إلا بالصحوة الشعبية العربية التي تفرز قيادات وطنية متوافقة ومتجانسة تؤمن بهدف واحد وهو أن الخير للجميع والمال العربي لخدمة القضايا العربية. ولنتعظ من موقف دول أوروبا تجاه اليونان كدولة عضو باتحادهم عندما أغدقوا عليها المال لإخراجها من أزمتها الإقتصادية والمالية. إن الخير موجود بالأمة وهو قادم إن شاء الله, إذ الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة.
وحمى الله الأردن والأمة والغيارى عليهما . والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com