هل نحن على صواب؟
لم يسبق للأردن أن شارك بالتدخل بالشؤون الداخلية لدول الإقليم. حقيقة, كان دوما السباق لفض النزاعات العربية والعمل باتجاه التهدئة والتركيز على الحلول التي تضمن حقن الدماء ومنع إراقتها. لكن الأقدار تلعب دورا بإضفائها طابعا معينا على النهج السياسي فيما يتعلق بما يدور بالمنطقة وذلك راجع لموقع الأردن الجغرافي المتوسط عربيا وعالميا. فهو مجاور لدول النفط ذات الثقل المالي، ومجاور لإسرائيل المحتله للأرض العربية والتي تطمع بالتوسع على حساب الأردن. كما هو مجاور للعراق الذي تمزقه الحرب الطائفية ولسوريا التي تغرق بأزمتها التي تتفاقم وتزداد خطورة مع اللقاءات بين المتدخلين بالشأن السوري.
يبدو للمراقب أن الأردن هو الحاضن لمعظم اللقاءات والتشاورات والتخطيطات المتعلقة بكيفية حسم الموقف بسوريا. وما اجتماع رؤساء أركان جيوش دول عربية وغربية بعمان إلا مؤشر لا يدعو للتفاؤل بقدر ما يدعو للقلق من إقتراب حرب يزج بها الأردن بفعل الضغوطات الدولية المصلحية وبفعل تيار داخلي تقتضي مصلحته إشغال الأردن وتوريطه بشأن خارجي بذريعة وجوب المشاركة بجهد دولي لا يملك الأردن أن يمتنع عن الإشتراك به.
لقد نأى الأردن بنفسه وبحكمة وحنكة المرحوم الحسين عن المشاركة بالعدوان الثلاثيني على العراق بعهد المرحوم البطل صدام حسين. وهذا النأي بالنفس عن المشاركة بحرب تخدم المصالح الغربية وتدمر بلد عربي كاد أن يؤثر كثيرا على وجود النظام نفسه إلا أنه أبى طيب الله ثراه إلا أن يتوافق مع شعبه وينسجم مع تطلعاته. وقد رفض الأردن حينها الكثير من الإغراءات التي كانت ستعود عليه بالنفع الإقتصلدي والسياسي، لكن المبادئ كانت هي سيدة الموقف والتناغم مع الأرادة الشعبية هو عنوان المرحلة. وبذلك اختار الحسين وبمنتهى الشجاعة أن يكون بصف شعبه ومع التوحد الشعبي لأنه يعي تماما أن قوته من قوة شعبه كما يعي أيضا وببصيرته وتجربته أن النفع لا يأتي من سياسات وميول حكام الدول المتغيرون بل من الشعب لأن الشعوب أبقى من حكامها.
التحرك الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وتموله دول الخليج يظهر بمظهر إنساني هدفه تخليص الشعب السوري من نظام حكمه الجائر. وطالم أن الشيء بالشيء يُذكر، لم تقف هذه الدول الغربية والعربية موقفا يقترب من موقفهم الحالي تجاه اسرائيل عندما قتلت أهل غزة بأسلحتها الأمريكية الفتاكة ودمرت منازلهم وشردت السكان بالعراء. كل ما كنا نشهده وعلى لسان أمريكا أن من حق اسرائيل الدفاع عن نفسها بالوقت الذي كان نظام حسني مبارك يغلق المنافذ التي من خلالها يقتات أهل غزة ويعالجون مرضاهم ومصابيهم فكان مع اسرائيل ضد أبناء جلدته.
روسيا تعارض الحرب مع سوريا وإيران تهدد بالدفاع عن النظام السوري بحال تعرض لهجوم. النظام السوري ليس بالنظام الضعيف عسكريا وتسليحيا، ولن يقف مكتوف الأيدي عند تعرضه للخطر. ومؤخرا قال وزير إعلامه أن الشرق الأوسط سيشتعل نارا بحال وجهت ضربة لسوريا. من المنطق أن الرد سيكون على مصدر الخطر والذي على ما يبدو سيكون الأردن وليس واشنطن أو الدوحة أو الرياض. أمريكا بإدارة أوباما بالذات وكونه من الحزب الديمقراطي ليست متسرعه بخصوص توجيه ضربة لسوريا وهي بذلك تنطلق من خلفية التجربة العراقية التي كلفتها الكثير.
أما هذا الحراك السياسي والعسكري المحموم والذي لا ينبئ بالخير يأتي ضمن إفرازات وتتويج لجهود اليهود الصهاينة المتغلغلين بمطابخ القرار الغربي. ونعلم أن اسرائيل هاجسها الأول هو الأمن إذ يأتي على رأس قائمة أولوياتها والذي هو السبب الرئيس الجاذب لليهود من شتى أصقاع الأرض. وإذا انعدم الأمن وتعرض الناس لتبعات الفوضى من السهل عليهم مغادرة اسرائيل والعودة من حيث أتوا. وأظن أن اسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لديها وزارة خاصة بالأمن وليست مديرية أمن كباقي دول العالم مما يدلل على أهمية الأمن لدى اليهود.
والأمن بالنسبة لاسرائيل يعني ضمان عدم الهجرة منها كما هو ضمان استقطاب ما تبقى من يهود العالم. وبالتالي تحقيق الأمن يعني التفرغ للتخطيط والتنمية والصناعة والإبتكار والإختراع وتحسيين الإقتصاد. مصر تم تحييدها باتفاقية كامب ديفيد، العراق تم تحييده بالقضاء على نظامه الوطني العروبي وهو بطريقه للتمزيق والتقسيم، ولم يبق يزعج اسرائيل ويشكل لها مصدر قلق وخطر سوى سوريا المحتل جولانها والتي لا بد ستتهيأ الظروف يوما ما وتعمل على استردادها.
إسرائيل لا تأبه للأنظمة الحاكمة بقدر ما تأبه للشعوب لأنها تعلم أن الأنظمة تتبدل، أما الشعوب باقية ولذلك هي تعمل على كل ما ينهك الشعوب ويجعلها تنشغل بلقمة عيشها وتنصرف عن التفكير بالمطالبة بحقوقها واستعادة المغتصب من الأرض والأوطان.
الدول العربية بأنظمتها، بقصد أو بغير قصد، سياساتها تخدم اسرائيل والسبب أنها تتعامل مع شعوبها وكأنهم عمال بمزرعة الحاكم لا حق لهم يطلبوه بل عليهم السمع والطاعة العمياء والولاء والدعاء للحاكم بطول العمر والبقاء. فنرى ما هو حلال بمكان ما حرام بمكان آخر.
دول الخليج تحلل وتدعم الإنقلاب العسكري على رئيس انتخب لأول مرة بتاريخ مصر والإنقلاب حلال وليس خروجا على ولي الأمر ، بينما لو حصل وجاء رأي من كاتب أو سياسي أو معارض لا يروق للحاكم فيفتى بتحريمه وخروج صاحبه عن طاعة ولي الأمر ويجب سجنه وقصاصه وأحيانا قتله، وولي الأمر بالواقع ليس منتخبا ولا يؤمن بالإنتخاب بل هدية لشعبه من رب البرية وكلمة انتخاب تكاد تكون من المحرمات يحاسب قائلها.
الأردن لا محالة خاسر بحال توجيه ضربة لسوريا، إذ لا ننسى أن الكثافة السكانية العالية بشمال الأردن والملاصقة لسوريا ستكون الأكثر تضررا وهي بمقدمة ما سيلحق به الضرر في الأردن، ناهيك عن عدم كفاية الضمانات المؤدية للإطاحة بنظام الأسد، مما سيخلق مشاكل وخلافات لن تزول. كما أن تاريخ العلاقة بين الأردن وسوريا يشهد على استمرارية حالة المد والجزر بين البلدين الجارين وذلك بسبب القرب الجغرافي والتداخل العشائري والمصاهرة بالإضافة للأحزاب التي كانت تلعب دور المؤيد لهذا والمعارضة لذاك.
وفوق ذلك القناعة الراسخة بإرث الساسة السوريين والتي لا يعلنوا عنها صراحة وهي أن الأردن هو جنوب سوريا مما خلق لديهم رفضا دائما لأي ازعاج من الأردن واعتباره تمردا ونكرانا لواقع سكتت عنه سوريا. وهذا عائد تاريخيا للذين ما زالوا يتشبثون ببلاد الشام وسوريا الكبرى إذ سوريا كانت الأم والقائد لمكونات بلاد الشام وسوريا الكبرى.
داخليا, لدينا من اللاجئين ما يشكل قلقا حاضرا وخطرا قادما إذ كثيرا ما يعتدون على الأردنيين بالقتل ويتوقعوا أن تقدم لهم خدمات ورعاية بمستوى خمسة نجوم. فكيف سيكون الحال بحال الحرب التي يتحلل خلالها السكان الأصليون لحد ما من الأمن والدولة بكل مؤسساتها منصرفة للإهتمام بمجريات الحرب؟؟ وكيف باللاجئين الذين يبدون نوعا من التمرد قبل الحرب؟؟
بكل المناسبات يؤكد زعيم الدبلوماسية الأردنية أن الأردن مع الحل السياسي للأزمة ومع الجلوس إلى الطاولة من أجل الحوار. ربما الأردن بالواقع لم يتشدد تجاه النظام السوري كما فعلت كل من السعودية وقطر وغيرهما، لكن الواقع العملي على الأرض نراه مختلفا عن التصريحات الديبلوماسية التي يدلي بها ناصر جودة. فنرى الأردن قد استقدم جنودا أمريكان وبطاريات باتريوت وخبراء كما نراه محطة لا بد من التعريج عليها من الذين يخططون لضرب سوريا واجتماعات لأرفع القادة العسكريين الذين يقررون كيفية الضربة بعد أن تم اتخاذ القرار السياسي الذي مهد للعسكريين أن يتباحثوا بآلية الحسم.
لذا ندعو الله أولا أن يجنبنا الحرب وويلاتها بالمقام الأول. ثم ندعو صناع قرارنا أو يترووا ويتريثوا وأن يضعوا بحسبانهم الشعب الذي دائما هو الضحية وليست الأنظمة. ونذكر أن أمريكا لديها الإستعداد أن تبيد الدول العربية مجتمعة إذا شعرت أن وجود الكيان الصهيوني ربما يتعرض لخطر الزوال.
وحمى الله الأردن والأمة والغيارى عليهما. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com