0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

حماس عليها أن تقيم فشل وسقوط الإخوا ن لتجسيد المصالحة

 
 
 
 
 
السقوط السريع لحكم الاخوان جاء ليقلب كل الحسابات الإخوانية والحمساوية بأسرع مما اعتقد الجميع، والسقوط ليس فقدان مركز سياسي بديل، بل سينتج عنه تغييرات سياسية ستلحق حصار خاصا لـالمشروع الاخواني العام ولـمشروع الامارة الحمساوية في قطاع غزة بشكل خاص،
يحاط المشهد المصري بعناية فائقة عند مختلف المتابعين، دول أجنبية وعربية وكبار المسؤولين والإعلاميين والسياسيين، ليس لأن مصر قلب الأمة العربية والشريان الأهم في الجسم العربي فحسب، وإنما لأن الأحداث الجارية بما تحمله من متغيرات، تؤثر حتماً في المشهد السياسي لدول مجاورة وغير مجاورة. قبل الربيع العربي، كانت حركة حماس وحدها من الأحزاب الإسلامية المحسوبة على فرع الإخوان المسلمين، من اعتلى منصة الحكم والسلطة، بينما عانت الأحزاب الإسلامية الأخرى من صعوبة الحركة والحظر القسري من قبل الأنظمة التي أطاحت بها ثورات ذلك الربيع. “حماس” اختبرت الحكم في قطاع غزة الذي سيطرت عليه بقوتها بعد الانقلاب المشهور الذي وقع منتصف حزيران العام 2007، وأسفر عن غياب وحظر السلطة عن المشهد السياسي في قطاع غزة، الذي أدارته حماس إلى اللحظة بسلاح المقاومة القابض على كل مفاصل القطاع! وأظن أن فوز حماس في الانتخابات التشريعية العام 2006، لم يكن إلا صدفةً، وأكبر ما كانت تطمح إليه الحركة هو حصولها على معارضة صحيحة ومؤثرة في المجلس التشريعي، إنما سلوك السلطة، خدم وعزز قدرة حماس على الفوز بتلك الانتخابات. نموذج “حماس” التقطته الكثير من الأحزاب الإسلامية في عدد من الدول العربية، التي فضلت استنساخ مثل هذه التجربة في دولها أملاً في الحصول على السلطة، وعلى الأرجح أن حركة الإخوان المسلمين العالمية، أخذت قراراً يسبق ثورات الربيع العربي، بالعمل العلني والسري من أجل الوصول إلى السلطة بأي ثمن كان. وفي نموذجي تونس ومصر فازت النهضة والإخوان المسلمون بعد الثورات التي أطاحت بأنظمتها، نقول فازت لأنها حقيقةً ، ولأن الشارع أصابته حالة من رد الفعل تجاه الأحزاب الحاكمة، عاقبها بالتوجه إلى الأحزاب الإسلامية التي لم يختبرها في السابق. فضلاً عن ذلك، تبنت مثل هذه الأحزاب شعارات تخدم توجهات الجمهور ومتطلبات المرحلة، مثل الشعارات الكبيرة التي تبنتها حماس حتى تخدم الصالح العام، وتبين لاحقاً وبالعمل أنها شعارات تخدم فقط الحركة الحمساوية وجمهورها الخاص بها. هذه الاعتبارات ساعدت تلك الأحزاب البراغماتية على ركوب موجة الثورات والخوض في الانتخابات لتحصيل السلطة، هذه التي صارت غاية من أجل تحصين الإسلام السياسي وتعميمه على الكثير من الدول العربية. ما يحدث في مصر الآن، هو إقصاء الإخوان المسلمين عن المشهد السياسي بالإرادة الشعبية، ولعل الجمهور استنسخ ثورة 30 يونيو الماضي من 25 يناير 2011، بمعنى أن الشعب وحده هو من أقصى الأنظمة الحاكمة، سواء نظام المخلوع مبارك أو نظيره مرسي . مهما كانت شرعية الأنظمة، إذا ما جوبهت بغضب الجماهير وعدم استحسانها وقبولها لها، فإن التحرك الشعبي يكتسب الشرعية التي تعتبر أعلى من الانتخابات ومن كل السلطات، ويدرك القائمون على السياسة أن الشعب هو المصدر الأساسي والرئيسي للسلطات. للحقيقة إن سوء إدارة الإخوان المسلمين عجل من إسقاطها شعبياً، فقد تصرفت في فترة العام من الحكم، بضعف وغياب للمسؤولية، والأهم مصادرة للتعددية السياسية واحتكار العمل السياسي وعدم الانفتاح على الحياة العامة. وانطلقو يتعامل بفرضية من ليس معي فهو ضدي. لو كان خطاب الإخوان مفتوحاً على شهية الاندماج مع المجتمع ومصارحته، والانفتاح في العمل السياسي الرسمي والأهلي، لما حصل كل ذلك، إنما طبيعة العمل والفعل الإقصائي الذي تديره أغلب الأحزاب الإسلامية، هو الذي يجعلها في دائرة الشك والترصد الشعبي. لقد صحح الشعب ثورة 25 يناير، لأنهم غير مستعدين لدفع الثمن من جديد، ثمن الفقر والجوع والحرمان ، وكان يمكن القبول بحكم الإخوان في مصر، لو حققوا الحد الأدنى من المطالب الشعبية وتعايشوا سلمياً وقبلوا بالشراكة والتعددية السياسية. مع ذلك كان يمكن للإخوان بعد ثورة 30 يونيو، الاندماج في المجتمع وقبول الشراكة والانفتاح السياسي، إلا أنهم آثروا تصعيد الأزمة والتلويح بفتح حرب ، ورفضوا كافة الوساطات الدولية والعربية والمحلية، وحتى وساطة الأزهر. وكان متوقعاً أن تقوم السلطات المصرية بعمل اللازم من أجل فض اعتصامي الإخوان في “رابعة” و”النهضة”، إن ما يضعف موقف الإخوان ويبعد التعاطف عنهم، هو مشهد التعدي فبمجرد أن خرج عليهم الشعب رافضاً وجودهم وحكمهم حتي ظهر وجههم الحقيقي وبدأوا خطتهم في «تأديب» الشعب الذي خرج عليهم وشق عليهم عصا الطاعة، فبدأوا أولاً بحرق الكنائس والمساجد ، ثم اتجهوا لحرق الأقسام والنيابات ودواوين المحافظات ومبانى الأحياء والمدارس والمتاحف والقتل في الشوارع، وحرف بوصلة الثورة وتحويل البلاد إلى حرب طائفية، وعسكرتها في إطار خلط الأوراق، لكن هل من المعقول بعد كل ذلك، القبول بحزب مثل الإخوان قدم أسلوباً ضعيفاً في الحكم ويقدم أسلوباً آخر يرفض الشرعية ولا يطبق الشريعة؟ الأوضاع الآن في مصر صعبة وخطيرة، وفي تونس أقل من ذلك، وهي تتأثر بطبيعة الحال بالمشهد المصري، وينبغي على حركة النهضة أن تجد حلاً يجنبها لعنة الابتعاد الكلي عن المشهد السياسي، ولعل عدم الممانعة التي أبداها راشد الغنوشي رئيس الحركة، بصدد إقامة استفتاء شعبي، إنما هي مؤشر على أن النهضة تحاول إيجاد مخرج للأزمة الراهنة، أما إذا لم تقدم تنازلات مستجدة وفعلية، فإنها تسير على درب إخوان مصر. المشكلة أن حماس لم تستوعب الدرس جيداً، ذلك أن عجلة المصالحة متوقفة تماماً، إنما ينبغي على الأطراف المتصارعة أن تبتدع حلولاً خلاقة للعودة عن الصراع، وإلى اللحظة لا أحد يتحرك في هذا الإطار. نقول إن “حماس” عليها أن تقيم تجربة الإخوان في مصر، فهذا الحليف المهم والاستراتيجي بات غائباً عن كل أنواع الدعم والإسناد، وستنكشف حماس أكثر وأكثر، خصوصاً بعد أن فقدت أهم حلفائها في المنطقة، من سورية إلى حزب الله وإيران التي تجري محاولات كتومة لإصلاح العلاقة معها. إذا كانت تراهن حماس على حجمها وقوتها في قطاع غزة، دون أي مظاهر للتغير، فإن التغيير مقبل قصرت مدته أم طالت، أما إذا أرخت في مواقفها وبدأت تتكيف مع المستجدات الراهنة، باتجاه قبول مبدأ الشراكة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، فإنها تكون بذلك قد ثبتت وجودها ونجاحها. مطلوب من حماس الآن العمل الفوري لرفع وإزالة أي مظاهر للاحتقان الشعبي الفلسطيني، سواء بالانفتاح على الحياة السياسية أو بتأكيد الشراكة وتوفير أجواء مناسبة لتجسيد المصالحة، لكن إلى اللحظة لا يتضح سوى أن الحركة تسمع صوتها ولا تقرأ المعادلة المصرية جيداً.

الكاتب جمال ايوب