المشروع الاستعماري الغربي والصهيوني وضرب القوة العربية
المشروع الاستعماري الغربي والصهيوني وضرب القوة العربية
لاشك بأن المشروع الصهيوني كان نتاجاً لسياسات استعمارية غربية، استهدفت قلب الوطن العربي (فلسطين) وهو مشروع استند في قيامه إلى الرغبة الاستعمارية في السيطرة على الأمة العربية، ومقدراتها وثرواتها وأيضاً تفتيتها وصولاً إلى السيطرة عليها والتحكم بمصيرها, تجتاح المنطقة العربية اليوم عاصفة هوجاء من رياح التشرذم والضعف والتفكك ، فالمتابع لما يحصل يجد أن ما تتعرض له المنطقة من أنواء عاصفة لا يخرج عن نطاق مشاريع قديمة متجددّة رسمتها الدوائر الاستعمارية بهدف تفكيك الكيان العربي، دولةً تلو الأخرى لإضعافه وتقسيمه إلى دويلات هزيلة غير قادر على حماية نفسه من خلال تغذية الفتن والصراعات المذهبية والطائفية ” لأجل عيون العدو الصهيوني” .
القوة الضاربة المتقدمة للنظام الرأسمالي العالمي المتوحش وضمان مصالحه الحيوية بالسيطرة على ثروات المنطقة الغنيّة بالنفط والمواد الخام الأخرى فضلاً عن كونها أسواق استهلاكية لذلك لم تغب أنظارها عن المنطقة للحظة واحدة , ومنذ خمسينات القرن الماضي أبّان فترة المدّ القومي الذي أرعب الدوائر المتنفذه في العالم الغربي، ووضعت خطوط حمراء لإعاقة الوحدة العربية والتكامل السياسي والاقتصادي واهتمّت الإدارات الأمريكية بكونها تشكل رأس القطب القيادي لمعادلة الحرب الباردة، بوضع خطط استراتيجية من خلال إرسال لجان مختصّة ، ووفود أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى منطقة الخليج العربي لاستكشاف أفضل السبل للسيطرة على منابع النفط، والممرات المائية في حال حدوث أزمات تعيق انسيابية تصدير النفط الى الأسواق الأمريكية والغربية وكذلك تأمين حرية التجارة عبر الممرات البحرية .
الكيان العنصري بدوره خاض حروبه العدوانية التوسعية في إطار القضاء على عناصر القوة العربية، وضرب حركات التحرر المتنامية ليتجلى ذلك بوضوح بمشاركتها الميدانية بالعدوان الثلاثي على مصر، عبد الناصر الثورة الفتية بعد تأميم قناة السويس هذه الخطوة الجريئة التي الهبت مشاعر الجماهير من المحيط إلى الخليج ، مطالبة بالمزيد من الخطوات التي من شأنها الارتقاء بمكانة الأمة التي تليق بها، وأيضاً جاء عدوان الخامس من حزيران الذي أدى إلى هزيمة الأنظمة الرسمية العربية واحتلال كل فلسطين وتشريد شعبها وتصدرت طلائع المرحلة ازدهار الثورة الفلسطينية المعاصرة ، و بعد خروج مصر السادات من الحاضنة العربية إثر توقيع معاهدة كامب ديفيد، و ضرب مفاعل تموز النووي العراقي عام 1981، فقد كان ذروة الأهداف والصيد الثمين التي سعت دولة الصهيونية للقضاء عليه بكونه يشكل عامل توازن القوة النووية العربية، بمساعدة الاستخبارات الأمريكية وبعض العلماء الفرنسيين الذين أشرفوا على بنائه مستثمرةً انشغال العراق بالحرب العراقية الإيرانية التي استنزفت مقدرات البلدين الجارين ، حيث قال ” شاحاك ” مؤلف كتاب أسرار مكشوفة ” أعتقد انه من الواجب تذكير القراء غير الصهاينة أن جلّ اهتمام الصهاينة ينصبّ بفرض سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط من خلال انفرادها بسياساتها النووية لوحدها “، استهداف علماء الذرّة العرب والمسلمين وتجنيد بعضهم وأخيراً تدمير المنشأة العلمية السورية في منطقة الكبر التابعة لمحافظة دير الزور في التاسع من سبتمبر عام 2007 كان خير دليل على تصميم هذا الحلف تجريد العرب من أي امكانية للوصول إلى ناصية العلم، والتقدم الذي تتمتع به الشعوب الأخرى حتى لو كان لأغراضٍ سلمية في وقت تمتلك ترسانتها النووية أكثر من مائتي وخمسين رأساً نووياً غير خاضعة للرقابة الدولية.
لقد أوغلت الصهيونية وشريكتها أمريكا في عدوانهما ولم تتوقفا عند حدود ، واجتاحت العاصمة اللبنانية بيروت للقضاء على حركة المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية ، وإخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية إلى المنافي البعيدة ثم أوكلت لحلفائها المحليين ارتكاب المجازر البشعة بحق أهالي المخيمات الفلسطينية في صبرا وشاتيلا، وحين أدركت أنه لا يمكن القضاء على المقاومة الفلسطينية مهما بلغت المسافات والتضحيات، شنّت الغارات على ضواحي العاصمة التونسية في محاولة فاشلة للقضاء على القيادة الفلسطينية، ومارست الاغتيالات وعمليات الاختطاف والاعتقالات غير أن إرادة القتال كانت تنتصر دائماً على جبروت القوة الغاشمة، أظهر الشعب الفلسطيني للقاصي والداني مدى التناغم الكفاحي وهبّ منتفضاً بحجارة الأرض ضد الغزاة ولم تستطع أدوات القمع وقنابل الغاز والرصاص المطاطي والحي وتكسير العظام وقتل الأطفال الأبرياء كسر الإرادة الوطنية .
إن كل انجاز حققه الحلف الصهيوني أمريكي قابله تراجع وانكفاء في الجانب الرسمي العربي ، وانحسرت أفاق التعاون العربي، بل زالت معاهدة الدفاع العربي المشترك وأضحى التقوقع في حدود الدولة الوطنية أمراً مألوفاً دون أدنى اعتبار لطموحات وأماني الشعوب التواقة للحرية والديمقراطية ، حيث ساد الظلم والاستبداد وانعدمت فرص الإيمان بالمستقبل لدى الشعوب العربية ، وازداد الفقراء فقراً والأغنياء غنى ، بينما انساقت بعض الأنظمة وراء المخططات الخبيثة لقاء الحفاظ على رؤوسها ، وحملت السلاح جنباً إلى جنب مع الغزاة الجدد دون وازع أخلاقي، وفتحت أراضيها مرتعاً للقوات الأجنبية ، ومخازن أسلحة للدمار والخراب، لكن كان في لبنان مقاومة شرسة حققت النصر العظيم في حرب تموز 2006 بقيادة حزب الله , اذ انطلاقة الثورات في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا الشعوب العربية من حقه ان تنتفض على حكامه، لكن كان في مؤامرة خارجية على سوريا من أجل تدميرها وتقسيمها وضرب مشروع المقاومة ، بالرغم من التداعيات التي فتحت الأبواب على مصراعيها أمام كل الاحتمالات نتيجة النزيف الدموي المستمر، لكن قوىً لها أجندات سياسية كانت تتحين الفرص الملائمة لركوب موجة الغضب الشعبى العارم، استطاعت أن تحرف المسار عن أهدافه الحقيقية باتجاهات لا تختلف كثيراً عن الأنظمة المستبدّة ، وأيضا بالرجوع إلى الدول المتنفذة بعد أن تخلت عن حلفائها القدامى الذين كانوا يلقون الرعاية والحماية ،غير أبهة بمسميات وتوجهات الأشخاص اذا كانوا يلبوّن مصالحها ومصالح العدو الصهيوني في المنطقة .
رغم كل المشاهد من ضعف وتفكك ، تبقى القضية الفلسطينية هي المعيار الأساسي الذي تقيس به الشعوب مدى مصداقية حكامها فعلاً ،لا قولاً بعد التجارب المريرة التي عانتها تحت شعار كل الإمكانيات لمواجهة الاحتلال وتحرير كل الأرض الفلسطينية .
بقلم الكاتب جمال أيوب.