0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

نحتاج لرجل دولة

نحتاج لرجل دولة
راتب عبابنه
قاموس أكسفورد يعرف كلمة رجل الدولة Statesman بـ “القائد السياسي الحكيم وصاحب الخبرة المحترم”. فلو طبقنا هذا التعريف على رؤساء حكوماتنا سنختلف والإختلاف لا يفسد لإظهار الحقيقة قضية. والإختلاف سببه الإفتقار للمعايير الأربعة السابقة مجتمعة بشخص واحد إلا من رحم ربي. سأحاول ما استطعت إلقاء بعض الضوء لتوضيح طرحي. لا ننكر أن زيد الرفاعي سياسي والنسور صاحب خبرة لكنهما يفتقران لاحترام الناس والإحترام يقصد به مدى رضا الناس عن شخص ما. وهناك الكثير من أصحاب الدولة الذين يفتقرون لصفة قائد سياسي مثلما يفتقرون للخبرة والإحترام إذ جاءت بهم الصدفة أو المحسوبية أو المصلحة الضيقة. وإليكم ما بجعبتي وبطلها الحكومة الحالية التي هي بالميدان معنا وإن لم تكن هي المسؤولة وحدها عن كل ما نطرحه.
أرى أن دولة عبدالله النسور يتلذذ ويسعد لدى تحقيقه ما يزيد معاناة المواطن. لقد خلق دولته قناعة عند المواطنين بأن مصدر سعادته قائم على سلسلة القرارات التي تلحق أكبر أذى بالمواطن. فها هو بين الحين والآخر يفاجئنا بزيادة المنغصات من رفع للأسعار وزيادة للضريبة, ولا نعلم ما هو القادم من مفاجآت دولته إذ المناخ العام والظروف الإقليمية والسياسات الدولية المفروضة على المنطقة تنبئ بمؤشرات ذات لون أحمر على مقياس الأحداث الداخلية والإقليمية. وهنا أقترح على دولته فرض ضريبة على الأكسجين حيث غالبيته يستنشقه الفقراء أما الأغنياء فيستعيضون عنه بالمكيفات إضافة لكونه ربحا خالصا فلا رأسمال تقلق بشأنه الحكومة ولا خدمة تقدمها مقابل هذه الضريبة.
مصطلح “رجل الدولة” التصق بالعديد من الأسماء عالميا وإقليميا ومحليا. عالميا لدينا مهاتير محمد (ماليزيا) وإقليميا محمد بن راشد آل مكتوم ( دبي ) والمرحوم وصفي التل ( الأردن ) . هذه الأسماء وغيرها الكثير كان همها المواطن والدولة معا دون الفصل بينهما ودون تغليب أحدهما على الآخر . فمهاتير محمد ترأس الحكومة وكانت نسبة الفقر بماليزيا 95% وغادرها وكانت النسبه صفرا أو تقترب منه. محمد بن راشد سمعت له تصريحا سنة 1989 يقول : سأجعل دبي سنغافورة العرب، وها هي دبي تقدمت على سنغافورة وصارت اسما عالميا عندما يذكر يقفز إلى الذهن تحقيق المعجزات والرفاه والرخاء والسياحة والمؤتمرات الدولية التي تعنى بالإقتصاد والتقنيات والمعلوماتية وغيرها من محفزات الدول والشركات ورجال الأعمال، فصارت مركزا عالميا ومحطة لا بد من التعريج عليها والإنطلاق منها نحو العالم الحديث والمتجدد.
وصفي التل رحمه الله لم يكن رئيس حكومة عادي بل جمع صفات القائد السياسي والحكيم وصاحب الخبرة والمحترم. ولو اكتفينا بوصفه رئيس حكومة كما نصف بقية رؤساء الحكومات الأردنية نكون قد تجنينا عليه وظلمناه وتنكرنا لجمعه الخصال الموجوده بتعريف رجل الدولة. فهل من العدل ذكر اسمه ومساواته بسمير الرفاعي وعدنان بدران وفايز الطراونه؟؟
رجل الدولة يوازن ويساوي بين الدولة والمواطن ويعمل بكل الوسائل المتاحة على التوافق بين الشعب والدولة. أي أن همه ينصب على أساسين ثابتين هما الدولة بأجهزتها ومؤسساتها وتسريعاتها وقوانينها وقراراتها و الآخر هو الشعب بكافة أطيافه وما يحمله من طموحات وأماني وأهداف يسعى لتحقيقها كالإستقرار والأمن والعيش الرغيد ونسبة البطالة في حدها الأدنى المقبول. فعند تحقيق التوازن ألا وهو العدل والمساواه يكتسب هذا الرئيس أو ذاك صفة رجل الدولة.
أما الرئيس الذي يغلّب الدولة على المواطن ويجعل من نفسه جابيا بذريعة تقليص العجز دون الإلتفات لما يمكن أن يعود به ذلك التقليص عى المواطن، فلا يستحق منا إلا وصفه بالجابي المحترف والمبدع بخلق أسباب الجباية. هل من إجراء تم إتخاذه من قبل هذه الحكومة بقصد التخفيف عن المواطن؟؟ كل ما نسمعه من دولته ومن موظفيه هو التمهيد لرفع قادم تزداد وتيرته والترويج له بقصد غسل الأدمغة حتى يتحقق أمرا واقعا.
رفع المحروقات بنهاية شهر حزيران ولو جاء طفيفا لم يكن عادلا حسب رأي المختصين وغير مبرر حيث الأسعار العالمة التي يعتمدها الأردن لا تعطي المبرر للرفع الذي أقره دولته. وكذلك رفع الضريبة بنسبة 100% على أجهزة الخلوي الذكي منها والغبي وبطاقات الشحن جاء بظروف صعبة ولقي معارضة من مدراء شركات الإتصالات أنفسهم. فأي رفع لسعر أية سلعة يكتوي بناره مايزيد عن 85% من الشعب لأن النسبة المتبقية 15% الميسورة الحال لا تتأثر بالرفع بمعنى أنها مقتدرة ولا تجد صعوبة بالإستمرار على نفس النمط من العيش، أما الغالبية العظمى 85% من الشعب هم من يلحق بهم العوز والمعاناة وصعوبة توفير متطلبات الحياة.
فعندما يتخذ قرار ما يتم تغييب السواد الأعظم من الشعب والمعيار هو كم تستفيد الدولة كمؤسسة وكم هو المبلغ المجبي عنوة من جيوب الناس والفقراء منهم بالذات، ونقول هنا بمنتهى الثقة واليقين لو كان هناك حساب لردود الفعل المقلقة من قبل الشارع ولو كان هناك رجل دولة بالمعنى الحقيقي لما رأينا القرارات المفاجئة والمفجعة والضاغطة تنهال علينا بين الفينة والأخرى.
المفهوم البسيط لرفع الضرائب عالميا وخصوصا الدول التي تحترم نفسها وتحترم شعوبها، يعني تحسين الخدمات أو تقديم خدمات إضافية تتناسب مع نسبة الرفع وتراعي مدى رضى دافع الضرائب. فأين نحن من كل ذلك وما نطاله ونجنيه بعد الرفع؟؟ الضرائب أصبحت بمثابة جزية تجبى مقابل سكوت الدولة عن وجودنا على أرض ووطن بناه الأردنيون بسواعدهم وعرقهم واغترابهم.
رئيس حكومتنا ليس له أدنى نصيب من وصف رجل الدولة، لا بل مُصَدّر للقرارات وباحث عن الوسائل التي من خلالها يزيد المبالغ المجبية وبالتالي حكومته حازت على لقب الحكومة المشرفة على جباية وجمع الأموال من جيوب الفقراء. رجل الدولة لا يمكن أن يحوز على هذا اللقب وهناك الكثير من الظلم والإعوجاج والتضليل والتدليس والكذب وعدم احترام الذات والإستخفاف بالعقول.
الفاسدون ما زالوا يصولون ويجولون، الترهل الحكومي ما زال دون حل، التسيب والهدر ما زالا يراوحان مكانهما. مقابلة وزير أو أمين وزارة ضرب من المستحيل بل ربما مقابلة أوباما أسهل وأيسر. إن طرحت سؤالا على موظف أو مدير دائرة تستوضح به عن مبرر أو مسوغ أو تفسير لأمر ما, تواجه من قبل هذا الموظف أو ذاك المدير بديباجة ” أنا لم أضع القانون والتعليمات وإذا مش عاجبك عندك الوزير “. فترى نفسك أمام آلة صماء وليس أمام إنسان وكائن بشري تتوقع منه التفاعل معك ومحاولة استيعابكو إذ ما يشغله تناول الفطور أو المغادرة أو تصفح الإنترنت ووجود مواطن مراجع يعيقه عن تحقيق ما يشغله.
متى ستعالج هذه المثالب المتجذرة وغيرها بدوائرنا الرسمية؟؟ أين رجل الدولة الذي يعمل على إصلاح العبثية المتفشية؟؟ أين رجل الدولة الذي يزرع بعقل الموظف أنه موجود ليخدم المواطن؟؟ وأين رجل الدولة الذي يعمل على خلق ثقافة لدى موظفي الدولة قائمة على مفهوم ارتباط الأمن الوظيفي بمدى رضى المواطن؟؟
وشهادة حق نستشهد بها لحكومة عبد الرؤوف الروابدة إذ كانت المعاملات تنجز بزمن قياسي بعيدا عن الروتين والبيروقراطية حيث كان الموظف الحكومي يسعى لرضا المواطن والعلاقة بين الموظف والمواطن بها ود واحترام متبادل.
شوارعنا مليئة بالحفر والمطبات، ولا نرى صيانة فورية أو صيانة طوارئ عند تشكل الحفر المعيقة لحركة السير والمسببة للحوادث أحيانا بل تترك صيانتها وترحل لما بعد الإنتخابات بحال قربها أو حتى تتلطف الوزارة برصد أموال كافية وغير ذلك من سلسلة الأعذار الجاهزة. مدارسنا بغالبها تحتاج لترميم وصيانة، الطلاب بها لا تتوفر لهم أدنى وسائل الإهتمام الآدمي إذ البرد القارس يستحوذ على تركيزهم وينصرفوا لعد الدقائق بانتظار مغادرة المدرسة لعدم وجود أي نوع من أنواع التدفئة بالغرف الصفية بينما المدراء والمعلمون ينعمون بها.
جامعاتنا صارت ميادين للمشاجرات وتصفية الحسابات ووصل الحال لحمل الأسلحة النارية والأدوات الحادة. الإنتخابات الطلابية يتنافس عليها جهات مع الدولة وأخرى مع الحركات الإسلامية. المناصب القيادية والرفيعة قائمة على التوريث والمحسوبية والجهوية. السفارات تعيينات كوادرها حكر على عائلات معينة لا هم لها إلا البيزنس الخاص واللقاءات الودية والمواطنون الأردنيون إذا حتاجوا السفارة تغلق الأبواب بوجوههم والجواب ” روح دبر حالك”.
الإلتحاق بالقوات المسلحة بكافة صنوفها صار حكرا على الواسطة بعد أن كانت سيارات الكونتنتال والفورد العسكرية تجوب المدارس وتعود غاصة بالراغبين بالتجنيد. جامعاتنا عددها يفوق عدد جامعات الدول المتقدمة والرسوم للبكالوريوس تتطلب بيع قطعة أرض إن وجدت لتستطيع تأمين رسوم إبنك أو إبنتك.
أعداد مراكز التسوق ( المولات ) يكاد يفوق عدد المولات بالسعودية. وهي تشبع رغبات فئة محدودة جدا. الأردن هو عمان وما عداها فهو أمر شبه ثانوي يفتقر للرعاية والنتمية والخدمات. لواء بني كنانة ( إربد ) يحتوي على مستشفى تنقصه الكوادر الطبية المؤهلة إذ يخدم لواءا يتجاوز سكانه الـ ( 100000) نسمة.
أصحاب المقامات العليا يتم إرسالهم للعلاج بالخارج على حساب الدولة ولكم أن تتخيلوا بدلات الإقامة والعلاج والمرافقين والتذاكر وما تلحقه بخزينة الدولة ونحن نتفاخر بمستوى الطب العالي والمتقدم لدينا ونشكو الفقر. الديوان الملكي الذي يقال عنه تجنيا بيت كل الأردنيين يصدمك جندي أو موظف بجملة “ممنوع الدخول اليوم” وتتكرر على لسانه وكأنك تستمع لآلة تسجيل .
هذا ما جادت به الذاكرة من المآسي والعبثيات التي نخرت مجتمعنا الرسمي وصدأت مفاصله نتيجة غياب الرقابة والمحاسبة. فهل نلام عندما نتغنى بوصفي ونتمنى أصحاب ولاية عامة يقتدون بوصفي وفكره ونهجه؟؟ تصدعات ومثالب كثيرة نراها أينما توجهنا مع شديد الأسف, تحتاج لأصحاب النوايا الصادقة ومالكي الإرادة التي لا تلين ولا تستكين أمام محاربي الإصلاح من الفاسدين, كما تحتاج لنهج وطني غيور يخاف أصحابه الله بالوطن ويخشون لقاءه. لسنا من جلادي الذات ولا من الراغبين بكشف العورات لكن حالنا وصل لما لا نستطيع السكوت عنه بل هو التذكير لعل الذكرى تنفع بزمن قد غابت به عن أهل الحل والربط البصيرة والحكمة. ولا نطمح إلا أن نرى أردننا مثالا يحتذى قولا وتطبيقا ونرى رجالات دولة اسم على مسمى همهم المواطن والوطن وليس المعارف والمحاسيب والأصدقاء، رجال لا يؤمنون بالتوريث بل يقفوا أمامه سدا منيعا لإيصال أبناء الوطن الغيارى لينهضوا بوطنهم لأنه ” ما بحرث الأرض غير عجولها “.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com