عاجل
0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

سهيرة الليل

سهّيرة الليل
د. مراد الكلالدة
لن نسمح لأحد من الشرق أو من الغرب أن ينعتنا نحن المُسلمين بالكارهين للحياة والمُقلّين بالسهر والباغضين للأضواء المتلألئة في الميادين والصالات، فكثيرٌ هي الآيات القرآنية التي يدعو بها الله عز وجّل نبيه محمد عليه السلام أن يتَهَجَّدْ بِاللَّيْلِ وكذلك هي الآيات التي دعت المُسلمينَ إلى قيام الليل للعبادة، فمن هذه الناحية الدينية، نحن المُسلمين سبّاقين للتراويح بالليل ولا أظن أن ديناً آخر كالمسيحية أو اليهودية يدعو لذلك فصلاتهم صبّاحي.
أمّا من الناحية الثقافية، فالمسرح مسائي والدليل على ذلك حضوري شخصياً لمسرحية “الآن فهمتكم” وكانت بالليل. والغناء ليلي وهذا لا يحتاج إلى دليل لأن وزارة السياحة أطلقت على فعاليات صيف عمّان “ليالي القلعة” لأنها ستكون أجمل بالليل، وقد حضرتها وعائلتي وكانت بالفعل ليلة ولا أجمل ولا أدري الذي دعى عزيزي أمين عام السياحة عيسى قموه للإمتثال للضغوطات المتزمتة فصارت اليلالي مع القلعة.
أما من الناحية السياسية، فالحشد يكثر ليلاً في كلٍ من ميدان التحرير وساحة رابعة العدوية، وهي بالمناسبة عراقية ولدت في البصرة في العام المئة هجري الموافق 717 ميلادي لأب فقير وكانت إبنته الرابعة وتوفي وهي طفلة دون العاشرة ويقال بأنها إضُطرت لحياة الليل واللهو والشهوات قبل أن تتجه إلى طاعة الله عابدة متصوفة. كما أن أشعة الليزر والقنابل النارية تبُرِقُ في سَماء الليل حتى أصبحت المظاهرات بدونها مُملة بعض الشيء.
أما من الناحية العسكرية، فالليل سِرّ الإنتصار، ففيه يتم مباغتة العدو وتكثر الطلعات الجوية وتنهمر الصورايخ على رؤوس الأعداء. وأذكر بأننا كنّا نلون الشبابيك بالنيّلة لإخفاء الأضواء وقد كتبت عن ذلك بعنوان “نيلة على شبابيك عمّان” وقد قصدت بذلك النّيلة ذات اللون الأزرق على بني وليس لفظ النّيلة المعروف بالتشفي. وعلى الرغم من أن المَسير الليلي بالعسكرية شيء مرعب، إلا أنه يُصبح مَحفور بالذاكرة فالوطن يحتاج لهؤلاء الأشاوس القائمين الليل لحمايتنا.
وفي الحياة المدنية، يكثر التسامر بالليل فالمقاهي ساهرة والأراجيل عامرة. وتَستغل بعض المطاعم عُتمة الليل للسهر الصبّاحي على أنغام الموسيقى الصاخبة والأكواب العامرة ولليل بنينٌ وبنات، ومن منكم سمع ببنات النهار، لا أحد لأننا نسمع ببنات الليل.
فالليل حياة … فما بالكم بالذين ينامون في العاشرة مساءً مثل حالاتي، فليس في حياتهم إلا القليل من حياة الليل والكثير من القلق على ما يسفره الليل من مآسي صبّاحي.