0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

رواية المغفل بن حيران

قال النَّهّابْ ابن مسروق: أخبرنا المُغَفَّلُ بن حَيْرَانْ  قال: لما تولَّى (صاحب سيداو) الوزارة، ارتجَّت البلاد بالأفراحْ،وذُهل الناس وَلَجُّوا كأنما

 

لامس وَعْيَهُمْ، خَمْرٌ قُرَاحْ، وفرحت جَديسُ وَطَسْمُ والعرب الأقحاح،

 

إلا (صاحب سيداو) فإنه اغتمَّ أيَّما غَـمْ! فقال يوما لجلسائه: أتدرون ما أغمني؟ قالوا: الوزير أعْلَمْ!

 قال:  قد انتظرت الوزارة دهرا،وسعيت إليها سِرَّا وجَهْرا، فما طالتها يدي في أيام القحط فخرا، وتأخر حظي منها، فأدركتها في الربيع مضطرا.

 

فسحقا للربيع ومن بَذَرَ بِذَارَهْ،أينبت الربيع  فوق الحجارةْ؟!

 

ولقد كانت الوزارة في أيام القحط مَهيبَةَ الألقابْ،وأَحْصَنَ في صيانة الجَنَابْ، ولم يكن صحافةٌ حُرَّةٌ ولا كُتَّابْ،إلا بعضاً ممن يقفون على الأبوابْ،ولم يكن لدى الناس جنونٌ وارتيابْ، ولم يكن ثَمَّةَ لومٌ أو عتابْ.

 

فما أن يدخلها المرء مغمورا،حتى يمتلئ حبورا،ثم ينقلب إلى أهله مسرورا؛ حتى إذا ولَّتْ عنه، وانتقلت إلى غيره، ألقى بأثقال ما كان فيها، على الوزارة التي تَلِيهَا؛ ثم سار بين الناس فقدموه في الجاهاتْ،ونادوه بصاحب الدولة سائِرَ الأوقاتْ،وربما تَرَحَّموا على أيامهِ، إن لم ينكشف الغطاء في عَهْدِهْ،فعادوا باللوم فيما كان اقترفه على من بَعْدَهْ.

 

ثم أنشد: ذَرُوني أشتكي هَمَّاً طويلا**علي وإذ ينوء بكل ثقلي

           سَأُسْرِجُ للوغى خَيلاً وفيلا**وألعن ذا الربيع بكل قول        

 

فقام مناصح بن سديد فقال: يا أيها الوزير، قد اسْتُوْزِرْتَ في أيام

 

مَخْمَصَةْ،وعلوت في أيام مَنْقَصَةْ،ولم يكن سعيك من

 

قبل هباءً، فيغدو ذكرك إلى الخمولْ، ولست الآن منها في سِعَةٍ وقبولْ،فإما أن تَعْمَدَ إلى ما كنت ادَّخَرْتَهُ من العَزْمْ،فتجعل في وزارة من يليك بعضاً من الغُرْمْ،وإما أن تغدو إلى أقوات الناس فترفع أسعارها،وتُسَعِّرَ نارها،وإما أن تستقيل مما أنت فيه، فإنني أرى في عينيك جَهْداً باديا،وفي ألوانك لونا جافيا.

 

فقال الوزير: لا والله لا أُلْقِي بِحِمْلٍ تَحَمَّلْتُهْ،ولا أخلع عن عاتقي قميصا تَقَمَّصْتُهْ،فإنما هي أيام وينكشف الغطاء،وفي كثرة الوعود ما يؤخر الوفاء

وقد يكون في أخذ مال الناس بالغلاء،ما نَرُدُّهُ عليهم فيشعرون بالرخاء، فنطلق فيهم إشاعة عن الخبز والكهرباء،فإنهم سينسون الكهرباء إذا أشغلناهم بخبزهم،حتى إذا استيأسوا وظنوا أننا نَشْتَدُّ في الخبز رفعنا الكهرباء وقلنا لهم ليس على الخبز اعتداء،فقال الناس: الحمد لله، الذي أذهب عنا بأس الخبز، والحمد لله، أنه لم يتعدى الكهرباء.

 

فقام الأخرق بن سواد فقال: أيها الوزير قد بلغت فيما قلت سَدَادَ الرأيْ،ومنتهى الوعيْ، ولعلَّه مما أوتيت من بليغ الحجة،فأنت بين العقلاء

 

كطيب الثمر بينه الأُتْرُجَّةْ،وإنما هي رجفة أو رَجَّةْ،فإن احتملتها مضيت فيما إليه ما سعيت،وأبقيت على ما توليت، ولم تَسْتَقِلْ فتجلس في البيتْ،وقد أمضيت دهرا في انتظارها،وسيذكر الناس من بعد رُتْبَتَها وينسون آثارها، فيقولون، أقبل الوزير الأول،وأدبر الوزير الأول،وقد ظلمناه،ولم يكن على من اسْتُخْلِفَ بَعْدَهُ مُعَوَّلْ،فَاْبْق ِما أنت عليه من البأس،ينجلي عنك  بعدها، ما توهمته من النَّحْسْ.

 

فوثب المتشدق ابن حرام، من مجلسه كوثبة الأسد، فقال يا أيها الوزير سِرْ! فإنما نحن معك، ضيع الله منا من ضيعك،فافعل ماترى فإنما أنت مجتهد،فكل ما يقال فيك، أنما هو غِلٌ أو حَسَدْ،من تصدى للعلا كيف يثنيه الحسد،يتردى سعيه إن تردى عزمه،إنما بالعزم يصمد من صمد.

 

قال المغفل: ثم إن صاحب سيداو، انطلق إلى ما عزم عليه،ووضع ما أراده نُصْبَ عينيه،وتصدى بالحزم، لما يصبو إليه، فدالت له الدولة،وكلما هم بجولة،كانت له الصولة،حتى جأر العباد إلى ربهم، وظهر في الناس ما خفي فَقْرِهِمْ،واشتدت الكُرُبات على العباد،فظهر المَسْخُ  في المواليدْ،وصار السيد في الناس كأخس العبيدْ،وقاموا صفوفا، على أبواب البُنوكْ،وتشحانوا في الدَّعْم ِتَشَاحُنَ الدُّيُوكْ،وأمطرت السماء وعوداً أياما وشهورا،وفاضت بها الطرقات والقيعان، وبلغ السيل نُحُورا،ولما غِيْضَ الوَعْدُ واستوت، ظنها الظمآن ماءً، وجِناناً وقُصورا،لم يكن يعلم كل الناس، أن في الوعد قُصورا.