0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
previous arrow
next arrow

مشروع خطبة لصلاة الجمعة!

سألني بحدة: وما المانع أن يكون الحب موضوع خطبة جمعة، في زمن سيطرت فيه علينا الكراهية، واختنقنا بالأخبار السيئة؟ قلت: لا مانع لدي، بل إنني أتبرع بأن أسهم في مضمون مثل هذه الخطبة، خاصة فيما يتعلق  ببعض النصوص، لزوم الخطبة، التي لا بد أن تشتمل على الاستشهادات والروايات والقصص!

قال لي: فما عندك في هذا الشأن؟ فأجبت أن لدي الكثير، ومنه …

قال أحد أتباع الإمام محمد بن داود الظاهري أنه كان يدخل الجامع دومًا من باب الوراقين، فعدل عن ذلك، وجعل دخوله من غيره، وكنت مجترئًا عليه فسألته عن ذلك، فقال: يا بني، السبب فيه أني في الجمعة الماضية أردت الدخول منه فصادفت عند الباب عاشقين يتحدثان فلما رأياني قالا: «أبو بكر قد جاء» فتفرقا فجعلت في نفسي ألا أدخل من باب فرقت فيه بين عاشقين! وقال ابن القيم عنه في كتابه الداء والدواء: «وهذا أبو بكر محمد بن داود الظاهري العالم المشهور في فنون العلم من الفقه والحديث والتفسير والأدب، وله قوله في الفقه وهو من أكابر العلماء وعشقه مشهور».

أما الإمام ابن حزم فيقول في كتابه الشهير طوق الحمامة: الحب -أعزك الله- أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالها عن أن تُوصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وهو ليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة؛ إذ القلوب بيد الله عز وجل. وقد أحب من الخلفاء المهديون والأئمة الراشدون وكثير من الصالحين والفقهاء في الدهور الماضية والأزمان القديمة من قد أستغني بأشعارهم عن ذكرهم. وقد ورد من خبر عبد الله ابن عتبة بن مسعود، ومن شعره ما فيه الكفاية، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة وقد جاء من فتيا يقصد إفتاء ابن عباس رضي الله عنه ما لا يحتاج معه إلى غيره حين يقول: «هذا قتيل الهوى لا عقل ولا قود».

ويستدل الإمام ابن حزم على موقفه من الحب بما رواه بسنده في موضع آخر من كتابه طوق الحمامة من أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: «يا أمير المؤمنين، إني رأيت امرأة فعشقتها، فقال عمر: ذاك مما لا يُملك».

ويقول خالص جلبي وهو من العلماء المعاصرين وصاحب الكتاب المشهور «حتى يغيروا ما بأنفسهم» : الحب ظاهرة كونية لها قاعدة كيمياوية وينقل عن العالمة الفرنسية كاترين دو سانت قولها : لقد قالوا في الستينيات إن الاقتراب من موضوع الحب كفيل بإفقاد أي عالم مهنته كعالم وتحويله إلى وظيفة أخرى. ولكن دراسة هذه الظاهرة التي تعتبر أقدس وأعظم عاطفة في الكون جعلت دانييل جولمان يكتب كتابا كاملاً بعنوان الذكاء العاطفي يقول فيه أن الذكاء لا ينبع من اختبارات الذكاء السابقة المعروفة بل من قاعدة عاطفية لولاها لما عُد الإنسان إنسانا. كما ينقل عن الكاتبة الأمريكية هيلين فيشر قولها في كتابها «تشريح الحب» أن الحب غريزة أساسية مثل الخوف والغضب والفرح، وعن أبيقور اليوناني اعتباره أن هناك ذرات مفصولة في الكون تميل إلى التكامل عن طريق الحب!

وفي السنة الشريفة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال: «يا رسول الله في حجري يتيمة قد خطبها رجل موسر ورجل معدم، فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نر للمتحابين غير النكاح» (قال الألباني: الحديث أخرجه ابن ماجه والحاكم والبيهقي والطبراني وغيرهم، وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم). وفي الصحيح كان مغيث يمضي خلف زوجته بريرة بعد فراقها له، وقد صارت أجنبية عنه، ودموعه تسيل على خديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا ابن عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثًا، ثم قال لها لو راجعته، فقالت: أتأمرني؟ فقال: إنما أنا شافع، قالت: لا حاجة لي فيه» . وقال الإمام الصنعاني في تعليقه عليه: «ومما ذكر في قصة بريرة أن زوجها كان يتبعها في سكة المدينة؛ ينحدر دمعه لفرط محبته لها. قالوا: يقصد العلماء  فيُؤخذ منه أن الحب يُذهِب الحياء، وأنه يعذر من كان كذلك إذا كان بغير اختيار منه» (سبل السلام، ج: 3، ص: 278). وقال عمر بن الخطاب: «لو أدركت عفراء وعروة لجمعت بينهما» (رواه ابن الجوزي بسنده). وعروة عاشق عذري وعده عمه بالزواج من ابنته عفراء بعد عودته من سفر للتجارة، ثم زوجها لرجل من الأثرياء.

حلمي الاسمر