الفكر التنويري .. كلام حق يراد به باطل …
في السنوات التي تلت منتصف القرن الماضي إنتشرت بين طلبة المدارس والمعاهد ظاهرة الإنتماء للأحزاب السياسية خاصة ذات الفكر الشيوعي، الإشتراكي، البعثي، أو الناصري وساهم في زيادة الظاهرة وجود التنظيمات الفلسطينية (الفدائية) المدعومة من الخارج مما جعل الكثيرون يتنقلون فيما بينها ويغيرون أيديولوجيتهم كما نغير اليوم ربطات العنق، وأعترف اننا لم نكن حينها نعي ماذا يعني الفكر الناصري أو البعثي أو الشيوعي أو من يكون ماركس أو لينين أو ميشيل عفلق، وكنا كالببغاوات نردد كلمات مثل البرجوازية والإمبريالية والبروليتاريا والماركسية اللينينية للتفاخر باننا ناضجين سياسياً بدون ان نعرف ماذا كانت تعني، كبرنا وكبرت إهتماماتنا الحزبية بعد إنتقالنا الى دول اخرى لإكمال دراستنا الجامعية وبدأ البعض يقاتل بعنف من اجل أفكار ومبادئ حزبية جديدة دخيلة علينا من أنظمة تلك الدول ولكن فِي النهاية عاد معظمهم الى صوابهم وتخلوا عنها بعد عودتهم لوطنهم لإنهماكهم بهموم العمل ولإصطدامهم بالواقع المختلف عن بيئة الدول التي عاشوا فيها، ولم يطول الامر حتى فقدت كل تلك الأحزاب بريقها وخمدت شعلتها، الناصرية إنتهت بموت عبدالناصر والبعث اصبح بعثين وبشعارات فارغة، وإنقلبت الشعوب على الشيوعية في مسقط رأسها وعادت الصلوات تُتلى وأجراس الكنائس الارثوذكسية في موسكو تقرع وغزت الرأسماليه عواصم الدول الإشتراكية التي سارعت بالإنضمام للإتحاد الأوروبي، وألقت تلك الشعوب كتب ماركس ولينين وماوتسي تونج في حاويات النفايات …. اليوم بدأت تنتشر بين الشباب الاردني حركة جديدة تدعى الفكر التنويري على غرار نفس الحركة الفكرية في أوروبا في القرنين 18 و19، التي قام بها الفلاسفة والعلماء، وتدعو الى إقصاء الدين والثورة على كل شئ يرتبط بالعادات والتراث ، رواد هذه الحركة يعتبرون مهمتهم قيادة الأردن إلى التطور والتحديث بالإبتعاد عن المبادئ الدينية والثقافات القديمة، يريدون تطبيق منهج الحياة الأمريكية والاوروبية كون بعضهم أقام فيها بضعة سنوات يعتبرها كافية للتبشير بالمعتقدات الجديدة واعلان الثورة على العقد الإجتماعي الفريد الذي ينظم العلاقة بين اطياف المجتمع الاردني وعلى المنظومات المجتمعية التي ورثناها والقوانين الشرعية والتشريعية التي نتعامل بها، وأكاد اجزم ان بعضهم يرددون شعارات لا يفهمون مغزاها ولا يعلمون ان كل ما يطالبون به لا يتناسب مع طبيعة وثقافة وعادات وتناغم المجتمع الاردني كما كان حال أحزاب الخمسينات والستينات، أدعو هؤلاء للتعقل والعودة لجذورهم العربية وعقيدتهم السمحاء، وإن كانت الأمة تمر اليوم بمؤامرة للتشكيك بالدين وزعزعة العقيدة، لكنها غمة وستزول وستعود الأمة الى رشدها والى جميل سابق عهدها فلا تجعلوا قلوبكم من حقائق الإيمان خاوية ولا عقيدتكم في مجال التمدن ضائعة. د. عصام الغزاوي .
كتب . د. عصام الغزاوي