عاجل
0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

كسر عظم

كسرعظم / محمد بدر
بكل تأكيد لم تكن دوائر القرار في الغرب وكثير من دول المنطقة راضية عمّا تمخّضت عنه ما سمي بثورات الربيع العربي . رغم التّرحيب الظّاهري من أمريكا ودول أوروبا للتغيير الديمقراطي ، فهي لا تستطيع إلاّ ذلك وإلاّ فقدت مصداقيّتها وهي التي تدّعي دفاعها عن الحريّات العامة وسعيها لنشر مبادئ الديمقراطية وقيم العالم الحر في العالم . وكيف ترضى وهي كانت الرّاعي الرّسمي لأنظمة الحكم الدكتاتورية القمعية الفردية .
وعندما وصل المد إلى اليمن السعيد ، استنفرت كافة القوى لاستيعاب الوضع ومحاولة التّحكّم بنتائجه ، بحيث يكون مسيطرا عليه ومحسوبا بالمسطرة ، وكان لهم ما أرادوا . وسأترك الحديث عن اليمن لوقت آخر لأقفز إلى الثّورة السورية والتي تلت اليمن .
ولأسباب عدّة لم يُرد لثورة الشعب السوري الوصول إلى أهدافها . فموقع سوريا الإستراتيجي ودور النّظام الوظيفي في المنطقة والذي كان يؤديه بكل كفاءة ودقّة ، جعل القوى الكبرى والإقليمية تتخوّف من التّغيير القادم والمتوقّعة معالمه . فحساسيتهم من وصول التيار الإسلامي للحكم في سوريا ، جعلهم يعملون بكل قوة إمّا لحلّ سياسي كالذي حدث في اليمن ، فيأتي نظام يكون هو الوجه الآخر للنظام القديم وكأنّ العملية تغيير في الوجوه فقط . وكان ( انشقاق ) طلاس وحجاب تمهيداً لتسوية كهذه . وقد حاولت دول إقليمية وبذلت كل جهدها في سبيل انجاز هذا الحل . ولكن رفض الثوار في الداخل وبعض سياسيي الخارج جعل هذا الحل مستحيلا .
كما أنّ الوضع في دول المنطقة وخوفها من امتداد هذا الربيع ، جعلها تؤيد الثورة إعلاميا والى حد ما اغاثيّا فقط . وكذلك فعلت أمريكا والغرب عموما . وكان بإمكانهم بقليل من الإجراءات ودون تدخّل مباشر أن يتم حسم الأمر بوقت وخسائر أقل .
ولمّا بدأ النّظام يفقد كثيرا من المناطق ويُسرع نحو نهايته هبّت إيران وحزب الله وبعض القوى الشيعية لنجدته وزجّوا بكامل قوتهم لمنع سقوطه ، فهم يعتبرون سقوط النظام خطا أحمر وعملية كسر عظم . ولم يعد حزب الله وإيران تنكر مشاركتها بل أن النظام أيضا أعلن هذه المشاركة ولم يخجل منها إذ كيف يُساند حزبا دولة .
ولتبرير التّقاعس الأمريكي والغربي عموما تمّ استدعاء ظاهرة الخوف من الإرهاب متمثّلاً بجبهة النّصرة وأنهم لا يستطيعون مد الثّوار بالسلاح خشية وصوله إلى ارهابيين .
إنّ إطالة أمد المعركة يُقصد منه إنهاك الطرفين ربما تمهيدا لقبولهما بحل سياسي ما ولأحداث مزيد من التدمير والخراب في البلد حتى لا تعود لتقف على قدميها لسنوات طويلة قادمة .
وفي نفس الوقت يتم اختلاق مشاكل يومية ومستمرّة للنظام في مصر . فهو نظام لا يراد له الاستمرار ، فيكفي أنه إسلاميّ التّوجه ليتم محاصرته وافتعال مشاكل متنقلة له حتى لا يستطيع العمل وتحسين الوضع ولكي يصل المواطن إلى نتيجة مفادها أن حكم الإسلاميين لم يجلب لهم إلاّ المشاكل ولم يحقق لهم شيئا فينقضّوا عنه . أو أن تنجح محاولاتهم في جعل الرئيس يتخلى عن موقعه طوعا أو كرها تمهيدا لانتخابات جديدة . وكانت معركة كسر عظم أُخرى تقودها قوى سياسية ليس لها وجود كبير في الشارع يتم تمويلها من مصادر كثيرة داخليا وخارجيا ومنها دول في المنطقة مستاءة من الوضع في مصر لأسبابها . وقوى أُخرى تخشى على مصالحها وامتيازاتها لذلك فهي تقاتل بشراسة لعدم تمكين النظام من العمل بهدوء ولو لأسبوع واحد . وكان للرئيس وضعفه وعدم قيامه بالإجراءات المناسبة في الوقت المناسب ، وطاقم الحكم قليل الخبرة والمرتبك ارتباك رئيسه بالعدوى ، قد أغراهم باستمرار المحاولة .
إنّ الوضع في الحالتين السورية والمصرية وصل إلى مرحلة كسر عظم ، حياة أو موت ، فأعداؤهم توحدوا في مواجهتهم ولا يريدون للأولى الانتصار وللثانية الاستقرار . ولكن لا هؤلاء ولا أولئك بيدهم فقط الحل ، فهناك إرادة مدبر الكون الذي قرّر بأنّ ليل الظلم ومهما طال فهو ( قصير ) .