لا للقوة الناعمة مع أميركا وترامب

بقلم المهندس باسل قس نصر الله

تُعرَّف القوة الناعمة بأنها القدرة على التأثير عبر الجاذبية لا القسر، وبالإقناع لا الإملاء. وقد صاغ هذا المفهوم المفكر الأميركي جوزيف ناي في كتابه Bound to Lead عام 1990، ليصبح لاحقًا أحد أعمدة السياسة الأميركية.

والقوة الناعمة مثل الشيطان .. فالإثنان يعملان بالإغواء.

بعد الحرب الباردة. استخدمت واشنطن الثقافة، والدبلوماسية، والمؤسسات الدولية، وخطاب حقوق الإنسان كأدوات نفوذ، لا حباً بالقيم، بل لأنها أقل كلفة وأكثر قابلية للتسويق من القوة الصلبة.

غير أن هذه المقاربة بدأت تتآكل مع فشلها في كبح صعود قوى دولية منافسة، ومع تعاظم الأزمات التي عجزت “اللغة الناعمة” عن إدارتها. عند هذه النقطة، جاء “دونالد ترامب” ليقول ما كان يُقال همساً. ففي خطاب تنصيبه كرئيس لأميركا بتاريخ 20 كانون الثاني 2017، أعلن بوضوح أن زمن المجاملات انتهى، وأن “أميركا أولًا” تعني فرض المصالح لا التفاوض عليها.

منذ اللحظة الأولى، انتقلت واشنطن من إدارة النفوذ إلى ممارسة الإكراه العاري. ففي نيسان 2017، قصف ترامب قاعدة الشعيرات في سورية متجاوزاً مجلس الأمن، ليس دفاعاً عن قانون دولي، بل لتكريس معادلة مفادها أن القوة الأميركية هي المرجعية. وكما قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق “طوني بلير” في مذكراته حول قصف “كوسوفو” في ١٩٩٩: ” نحن لا نستطيع فعل أي شيء بدون أميركا”

ثم جاء الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران في 8 أيار 2018 ليؤكد أن التوافقات الدولية لم تعد مُلزمة إذا تعارضت مع المزاج الأميركي، وهو ما عبّر عنه صراحة وزير الخارجية الأميركي في حقبة ترامب الأولى “مايك بومبيو” حين تحدث عن “إعادة رسم قواعد الشرق الأوسط”.

سورية كانت وما تزال إحدى أبرز ساحات هذا التحول. فواشنطن، في عهد ترامب، لم تسعَ إلى حل سياسي، بل إلى إدامة الصراع وضبط إيقاعه. وقد تُوِّج هذا النهج بإقرار قانون قيصر في حزيران 2020، الذي حوّل لقمة عيش السوريين إلى أداة ضغط سياسي. هنا لم تعد العقوبات وسيلة، بل أصبحت سياسة بحد ذاتها، وعقابًا جماعيًا يُمارَس باسم “الأخلاق” و“الديمقراطية”.

اليوم، ما تعانيه سورية ليس نتيجة حرب داخلية فقط، بل نتاج مباشر لعودة أميركا إلى منطق القوة الصلبة، حيث تُدار الدول بالعقوبات، وتُخنق المجتمعات اقتصادياً، وتُستبدل السياسة بإدارة الأزمات المفتوحة. وقد لخّص “جون بولتون” هذه الفلسفة عندما قال في آذار 2019 إن “الشرق الأوسط لا يُدار بالتوازنات بل بالقوة”.

إن ما فعله ترامب لم يكن انقلاباً على السياسة الأميركية، بل كشف جوهرها. سقطت الأقنعة الناعمة، وبقيت الهيمنة بلغة فظة. وسورية اليوم ليست استثناءً، بل مثالاً صارخاُ على عالم يُعاد تشكيله بالقسر، حيث تُدفن الشرعية تحت ركام العقوبات، ويُترك شعب بأكمله رهينة حسابات ترامب والقوة الأميركية.

وكأن ترامب يتغنّى ببيت شعر “نزار قباني” في قصيده “السيرة الذاتية لسيّاف عربي”:

[أيها الناس:
لقد أصبحت سلطانا عليكم
فاكسروا أصنامكم بعد ضلالٍ، واعبدونى …

إحمدوا الله على نعمته
فلقد أرسلنى كى أكتب التاريخ،
والتاريخ لا يكتب دونى]

الله اشهد أنني قد بلّغت

تُعرَّف القوة الناعمة بأنها القدرة على التأثير عبر الجاذبية لا القسر، وبالإقناع لا الإملاء. وقد صاغ هذا المفهوم المفكر الأميركي جوزيف ناي في كتابه Bound to Lead عام 1990، ليصبح لاحقًا أحد أعمدة السياسة الأميركية.

والقوة الناعمة مثل الشيطان .. فالإثنان يعملان بالإغواء.

بعد الحرب الباردة. استخدمت واشنطن الثقافة، والدبلوماسية، والمؤسسات الدولية، وخطاب حقوق الإنسان كأدوات نفوذ، لا حباً بالقيم، بل لأنها أقل كلفة وأكثر قابلية للتسويق من القوة الصلبة.

غير أن هذه المقاربة بدأت تتآكل مع فشلها في كبح صعود قوى دولية منافسة، ومع تعاظم الأزمات التي عجزت “اللغة الناعمة” عن إدارتها. عند هذه النقطة، جاء “دونالد ترامب” ليقول ما كان يُقال همساً. ففي خطاب تنصيبه كرئيس لأميركا بتاريخ 20 كانون الثاني 2017، أعلن بوضوح أن زمن المجاملات انتهى، وأن “أميركا أولًا” تعني فرض المصالح لا التفاوض عليها.

منذ اللحظة الأولى، انتقلت واشنطن من إدارة النفوذ إلى ممارسة الإكراه العاري. ففي نيسان 2017، قصف ترامب قاعدة الشعيرات في سورية متجاوزاً مجلس الأمن، ليس دفاعاً عن قانون دولي، بل لتكريس معادلة مفادها أن القوة الأميركية هي المرجعية. وكما قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق “طوني بلير” في مذكراته حول قصف “كوسوفو” في ١٩٩٩: ” نحن لا نستطيع فعل أي شيء بدون أميركا”

ثم جاء الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران في 8 أيار 2018 ليؤكد أن التوافقات الدولية لم تعد مُلزمة إذا تعارضت مع المزاج الأميركي، وهو ما عبّر عنه صراحة وزير الخارجية الأميركي في حقبة ترامب الأولى “مايك بومبيو” حين تحدث عن “إعادة رسم قواعد الشرق الأوسط”.

سورية كانت وما تزال إحدى أبرز ساحات هذا التحول. فواشنطن، في عهد ترامب، لم تسعَ إلى حل سياسي، بل إلى إدامة الصراع وضبط إيقاعه. وقد تُوِّج هذا النهج بإقرار قانون قيصر في حزيران 2020، الذي حوّل لقمة عيش السوريين إلى أداة ضغط سياسي. هنا لم تعد العقوبات وسيلة، بل أصبحت سياسة بحد ذاتها، وعقابًا جماعيًا يُمارَس باسم “الأخلاق” و“الديمقراطية”.

اليوم، ما تعانيه سورية ليس نتيجة حرب داخلية فقط، بل نتاج مباشر لعودة أميركا إلى منطق القوة الصلبة، حيث تُدار الدول بالعقوبات، وتُخنق المجتمعات اقتصادياً، وتُستبدل السياسة بإدارة الأزمات المفتوحة. وقد لخّص “جون بولتون” هذه الفلسفة عندما قال في آذار 2019 إن “الشرق الأوسط لا يُدار بالتوازنات بل بالقوة”.

إن ما فعله ترامب لم يكن انقلاباً على السياسة الأميركية، بل كشف جوهرها. سقطت الأقنعة الناعمة، وبقيت الهيمنة بلغة فظة. وسورية اليوم ليست استثناءً، بل مثالاً صارخاُ على عالم يُعاد تشكيله بالقسر، حيث تُدفن الشرعية تحت ركام العقوبات، ويُترك شعب بأكمله رهينة حسابات ترامب والقوة الأميركية.

وكأن ترامب يتغنّى ببيت شعر “نزار قباني” في قصيده “السيرة الذاتية لسيّاف عربي”:

[أيها الناس:
لقد أصبحت سلطانا عليكم
فاكسروا أصنامكم بعد ضلالٍ، واعبدونى …

إحمدوا الله على نعمته
فلقد أرسلنى كى أكتب التاريخ،
والتاريخ لا يكتب دونى]

الله اشهد أنني قد بلّغت