غزة بين الأمل والاستمرار: إجماع شعبي على ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار وفتح آفاق الإعمار

أسامة الأطلسي

تشهد شوارع قطاع غزة حالةً من الإجماع الشعبي غير المسبوق حول ضرورة استمرار اتفاق وقف إطلاق النار، في ظل معاناة إنسانية متفاقمة وشعورٍ عام بأن أي تجددٍ للقتال يعني العودة إلى نقطة الصفر. فبعد شهورٍ طويلة من الدمار والخوف والنزوح، أصبح الهدوء — حتى وإن كان هشًّا — بمثابة فرصة أخيرة للنجاة بالنسبة لمئات الآلاف من العائلات التي لم تعد تحتمل المزيد من الألم.
في الأسواق القليلة التي ما زالت تعمل، وفي المقاهي التي عادت لتفتح أبوابها بحذر، يمكن سماع الحديث نفسه يتكرر: “كفى حربًا… نريد أن نعيش.”
أصوات الناس تعكس إحباطًا عميقًا من الماضي، ورغبة حقيقية في بدايةٍ جديدة، يكون فيها الاهتمام بالإنسان أولًا، بعيدًا عن الحسابات السياسية والفصائلية التي مزقت النسيج الاجتماعي.
الكثير من الغزيين يعبّرون عن أملهم بأن يشكل وقف إطلاق النار مدخلًا لمرحلة إعادة إعمار شاملة، تُشارك فيها الدول العربية والمجتمع الدولي، ولا تُدار تحت سيطرة أي جهةٍ بعينها. يقول أحد سكان خان يونس في حديثه لمراسل محلي:
“لقد تعبنا من الشعارات والوعود. نريد أن نبني بيوتنا، نعيد مدارس أولادنا، ونعيش مثل باقي الناس. الحرب لا تجلب سوى المزيد من المقابر.”
ويضيف آخر من مدينة غزة:
“إذا استمر وقف إطلاق النار، فربما نستعيد شيئًا من الأمل، لكن إذا عاد القتال فسنفقد حتى قدرتنا على الحلم.”
إلى جانب المطالب بإعادة الإعمار، تتعالى الأصوات المنادية بإعادة فتح معبر رفح، الذي أصبح بالنسبة للكثيرين شريان حياة ومتنفسًا وحيدًا. العائلات العالقة في القطاع ترى أن فتح المعبر قد يتيح الفرصة للمرضى لتلقي العلاج، وللطلاب لاستكمال دراستهم، وللعائلات الباحثة عن الأمان للخروج ولو مؤقتًا من دائرة الخطر.
يقول شاب من رفح العالقة عائلته هناك:
“نريد فقط أن نعيش بكرامة، أن نجد طريقًا نخرج به من هذا الجحيم. لسنا ضد أحد، فقط نريد الحياة.”
من جهة أخرى، يرى مراقبون سياسيون أن هذا الإجماع الشعبي حول الهدنة يعكس تغيرًا في المزاج العام داخل غزة، بعد سنواتٍ من الصراع الداخلي والتدخلات الخارجية. فالكثير من السكان باتوا يطالبون بإشراك مؤسسات مدنية وإدارية مستقلة في إدارة شؤون القطاع، بعيدًا عن الفصائل المسلحة التي يعتبرونها جزءًا من المشكلة وليست الحل.
ويقول أحد المحللين:
“العالم يريد أن يساعد، لكن لا أحد سيضخ أموال الإعمار في ظل الفوضى والانقسام. هناك رغبة دولية حقيقية في رؤية إدارة جديدة أكثر شفافية ومسؤولية.”
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن الدول العربية، وعلى رأسها مصر وتركيا وقطر، إلى جانب الولايات المتحدة والأمم المتحدة، تبحث عن آلية جديدة تضمن استمرار الهدنة، وتمنع انهيارها بسبب الخلافات السياسية أو الميدانية، مع التركيز على “ربط الإعمار بالاستقرار”.
ورغم استمرار المخاوف من انهيار الاتفاق، فإن الشارع الغزي يظهر أكثر وعيًا وإصرارًا من أي وقت مضى على رفض العودة إلى العنف. فبعد كل ما مرّ به السكان من دمارٍ وتشريد، بات مطلبهم الأساسي بسيطًا وواضحًا: “نريد حياة لا حرب فيها، ومستقبلًا لا تحدده البنادق.”
في نهاية المطاف، يقف الغزيون اليوم عند مفترق طرقٍ حاسم: إما أن ينجح وقف إطلاق النار في فتح باب جديد نحو الحياة، أو يعود القطاع مجددًا إلى دورةٍ مأساوية من الدمار والمعاناة.
لكن، رغم كل شيء، يبقى الأمل هو اللغة الوحيدة التي لم تُقصف بعد — أملٌ بأن تتغير المعادلة أخيرًا، ويُسمح لغزة بأن تتنفس، وتبدأ رحلة العودة إلى الحياة من تحت الركام.