0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

كذب المنظرون ولو صدقوا

( كذب المنظرون ولو صدقوا )
على قاعدة ( كذب النجمون ولو صدقوا ) ، لقد أصبحت هذه المقولة منطبقة تمام الإنطباق على المنظرين وباعة الكلام في هذا الوطن المكلوم ، والذين غدو يتكاثرون تكاثر الجراد ، وخاصة في وسائل الإعلام المختلفة من صحف يومية وأسبوعية وعلى شاشات فضائية محلية (( إذ ليس يعنيني الأمر فيما يتعلق بالفضائيات الخارجية بالرغم من همومها وما تنفثة من سموم على كامل رقعة الوطن العربي )) هذه الفضائيات المحلية التي أصبحت تشبه الدكاكين والمولات في عروضها وتنزيلاتها وتنافسها التجاري وتضع رفوفا في ساحاتها لكل مدع بالثقافة أو السياسة أو الأدب ، كم هو الأمر فيما يتعلق بالعديد من مواقع الميني ماركت الالكترونية ، ومراكز الدراسات وقياسات الرأي العام ، التي غدت تفصل مخرجاتها حسب المقاسات عند حائكي السياسة وتجارها ومسوقيها وفي صالوناتها السياسية التي تمتلىء بالمتدربين والغلمان وأبناء الذوات الذين ظنوا أنهم من صناعها عندما وقعوا خطأ في مواقع القرار زمن الخصخصة واللصلصة والسمسرة الذي ولى ، ومن تبعهم من مدعي السياسة والإطلاع والتحليل والتدجيل والتأويل ، وفي نهاية المطاف غلمان التشريع والرقابة الذين قدموا على عربات المال السياسي والجهوي والمناطقي والنتظيمي الخارجي ، لأن التنظير أصبح موضة وتقليعة جديدة في ساحاتنا السياسية والإقتصادية ، وحتى الأجتماعية بما تتضمنه من مدخلات تعليمية وقيمية وولائية وإنتمائية مهجنة .
إن الوطن أهم من الهوية ، والإنتماء له حتمية غريزية مختزنة في لا شعور أبناءه ونطفهم التي وضعوها في رحمه الطاهر الطهور ، هذا الإنتماء الحقيقي الذي يطفح سلوكا عند ما يمُس أبناءه أي خطب أو تعرض لأذى سواء من داخله أو خارجه ، هذا الوطن العصي يحضى بمغناطيسية عالية الجذب ، لا تلتقط إلا أبناءها الذين تتجه بوصلاتهم نحو جاذبيته الساحرة كالعاشقين في الليالي المقمرة وسط واحته الغناء المشبعة بالفضيلة والشرف والإباء والمروءة ، أبناؤه الشرفاء الذين لا يستطيعون أو يتقنون المناورة والمقامرة على وجودهم واستمرارهم بدونه ، فالوطنية لا تكتسب إكتسابا مع مرور الزمن واختلاف المراحل ، ولا تكون بالحصول على جنسيته ، بل هي جينات مختزنة في كل خلية من خلايا أبناءه ، ولذلك تجدهم لا يفهمون معنى للرقم الوطني المستحدث أصلا ، إلا عندما أصبح التكاثر على رقعة هذا الوطن هائلا من مختلف الجهات والإتجاهات المحيطة والمشارب المختلفة ، تكاثر الخلايا السرطانية المميتة ، ولذلك تجد أهله غير معنيين بهذا الرقم ، لأنه لا يشكل لهم أي قيمة بدون الوطن أما المهتمون بهذا الرقم السحري ، ويحارب من أجله بشراسة ، هم من يحاولون أن يجدوا وطنا بديلا يلتجأون اليه ، ليصبح هوية لهم يمارسون من خلالها حياتهم وأنشاطتهم وتجارتهم واستمرار بقائهم ، ولو على أي بقعة يتواجدون عليها ، لسهولة الحصول على هذه الهوية وانعدام الجهد المبذول في سبيل الحصول عليها وتعدد المداخل والأساليب المؤدية لها .
ولأن التنظير في معظمه قابل للتعديل وحتى الرفض والألغاء لعدم ثبوت جدواه في معظم الأحيان ، فإن المنظرين يمارسونه للمزاودة وبيع كلام وكسب الوقت واستثماره لصالح مصالحهم ، ولذا فأن أبرز من يبرع به التجار والسماسرة ومروجي النظريات العقيمة غير القابلة التطبيق ،فيرفعون عقيرتهم بالصراخ لتسويق بضائعهم الكاسدة ، ومن ثم إعاقة من يريدون العمل والبناء ، بمحاربتهم من يعملون أو من يحاربون من أجل العمل والإنجاز بهدف التطوير والمواكبة والتقدم والإزدهار للوطن والمواطن في هذه الظروف الحالكة الظلمة والمتفجرة من حوله .
أن رجل المرحلة وحصانها غير القابل للترويض والتهجين ، هو الدكتور عبدالله النسور ، بشخصية الوطنية التي ما أضاعت بوصلتها ، ولا انحرفت هذه البوصلة في يوم من الأيام ، وبقي مؤشرها المضيء يتجه نحو الوطن ، ولذكاءه الوقاد وحنكته العالية وانتماءه العميق عمق وجوده على هذه الارض الطاهرة ، المولود من رحمها منذ الأزل ، واللاعب في حاراتها ومدارجها ، فهذا الدكتور المترع فكرا ناضجا وعلماً موسوعيا لم يركن إلى إرث إجتماعي أو جهوي أو مناطقي أو حزبي حمله الى منصب إعتلاه ولم يسقط عنه ، كما سقط العديد ممن كان قبله ، ولم ينتظر معجزة لتصنع له مستقبلاً ، لكنه ككل الرجال الشرفاء المخلصين العصاميين جاهد كإبن بلد أصيل يحب وطنه واهله مستقلا بفكره وثقته بنفسه وإيمانه ونقاء سريرته . ففي كل المواقع المتاحة التي شغلها هذا الرجل الحكيم ، كان بين عينيه هدف واحد محدد ، وطموح لا يقف أمامه عائق ، ولذلك فإنني أعتقد جازما أن للرياضيات العقلية التي درسها وأتقنها ، هي ما بنى عليها وعلى قواعدها الراسخة نمط تفكيره ومنهاج حياته وسلوكه ، فعندما وجد الطريق الأسلم للوصول الى الأهداف السامية التي أمن بها ، أدار ظهره للمواقع الحكومية على إختلاف مستوياتها ، بعد أن اعتلى مقاعدها في مراحل هامة من حياته العملية ، وتأهب للترشح لمجلس التشريع والرقابه ليتمكن من مشاهدة الواقع ، من خارج منظار الدولة وروتينها وتعقيدات أداءها ، وليبني علي هذه التجربة الجديدة مخططه المستقبلي ، واستطاع أن ينجح في أربع دورات نيابية متعاقبة ، شكلت دليلا وبرهانا على معرفته وحنكته ، ومعرفة من حوله به وبإمكاناته العقلية والثقافية والعلمية والعملية ، ليتمكن بعدها من الإنتقال الى مرحلة أكثر فعالية في التغيير والتطوير وصنع القرار ، فجاءت هذه الإنتقالة المتأخرة في ظروف قاسية و مفصلية حادة ، وعرة المسالك وعميقة الحفر ومتتابعة المطبات ، ففرضت عليه السير على جمر الإخلاص وسط الأنواء الهائلة التي تحيط به من كل الجهات .
فدعوا الرجل يعمل ولا تضعوا العصى في الدواليب عربته السائرة ، ولا تبيعوه بضاعتكم الفاسدة المفسدة ، وتتيحوا لباعة الكلام والمنظرين وقناصي الفرص وأصحاب الملفات المملوءة بالحقد والضغينة مجالا لأعاقة المسيرة ، للخروج من هذه الأزمة الخانقة بأقل الخسائر ، والإنتقال بعدها إلى مرحلة الإرتياح وتحقيق المكاسب للوطن وأهله الشرفاء ، وهو النطاسي البارع المراهن على جهد المخلصين والشرفاء من أبناء هذا الوطن للعمل معه بروح الفريق الواحد ، و النسر الذي ظل محلقا في سماء الوطن يراقب كل مشهد من مشاهد تحولاته وتبدلاته بحلوها ومرها على مدي ما ينوف على سبعة عقود من عمره المديد ، هو الذي بقي عصيا على الإختراق ، وتكوين المحاور والكنتونات والصالونات والمحافل ، رغم كل ما تعرض له من هجمات شرسة رافقت مسيرته النظيفة ، في الوقت الذي غطس غيره الى ذقونهم بالشبهات والفساد والتسلق على أكتاف الاخرين إما بالتوريث أو المحاصصة ، رافعين شعار (نحن و من بعدنا الطوفان ) ، هذا الدكتور الذي تشتم منه رائحة الأمس النظيف البريء الطاهر ، الذي بنى لبناته الأوائل المخلصين ، بعرقهم وجهدهم وتنافسهم المنقطع النظير (أمس وصفي التل وعبد الحميد شرف وعلي مسمار ومحمد عوده القرعان وفلاح المدادحة وغيرهم من أولئك الذين سطروا صفحات مشرقة من عمر الوطن ) بالرغم من شح الموارد وضعف الأمكانات ، وكأنني أرى يومي هذا شبيه بأمسهم الجميل .
إن جلالة الملك عبد الله الثاني الذي تربى على يدي المغفور له الحسين سبط بيت النبوة ، ونهل من معين فطنته وذكاءه وتجربته الغنية التي عز تظيرها بين قادة العالم كله ، كان ولا زال هاجسه وديدنه الوطن ورفعته وتجنيبه المصاعب والمحن ، قد قام على مدي عقد ونيف بتجربة العديد ممن حوله لإدارة أمر الوطن ، ولكنه عندما حزم أمره وعجم أعواده واستخار ربه ، جاء خياره لقيادة هذه المرحلة متمثلا بالدكتور عبد الله النسور لرئاسة الوزارة وتولي أمور الدولة بعد ان أخفق جل من كان قبله في إدارة شؤونها في هذا الأوقات العصيبة ولم يتمكنوا الا من ترحيل الأزمات والإلتفاف حولها ، فكان هو المتأكد من ثبات قدرته وكفاءته ومهارته في الإدارة والإقتصاد والسياسة ، إن فراسة القائد الصائبة لن تخيب في فارس هذه المرحلة الصعبة ورجل مهماتها الخطرة ، ذو التجربة المهنية والعلمية والعملية الحقيقية المتمتع بالخلق الرفيع والأدب الجم والصبر الطويل ، وها هو هذا المختار يخوض تجربته ببسالة عالية وتحد صادق ، نصب عينية الوطن وأهله ، مستطلع رؤى مستقبله المشرق ، واضع لكل الحلول الجذرية للمشكلات المستعصية فيه ، وفق رؤية وخبرة الجراح المتمكن الذي سيستأصل الأورم الخبيثة التي تملىء جسده وتخترق خلايا أبناءه البررة ، وذلك لمعرفته التامة بالداء ، وخبرته ومعرفته بالحاجة الملحة الى الجراحة الدقيقة ، بتروى وتوءدة ومهارة ، للتخلص من الداء الذي استشرى ردحا من الزمن في مفاصله ، فاتقوا الله ودعوه يعمل من أجلكم ومن أجل أبنائكم ومن أجل الوطن وعزته وازدهاره ، وهو خادمكم المخلص الوفي ، فالحمم البركانية والعواصف الهوجاء والأمواج العاتية التي تحيط بالوطن لا ترحم ولا تحتمل التأجيل أو التأويل أوالترحيل .