الطورة يوسف يكتب ..بلا عنوان
كتب: يوسف الطورة
لم يبقى موطئ لخسارة، فكل المواطن كأنها خطايا مضرجة بدم “هابيل القتيل”، وتاريخ سيسرده المنتصرون باقلامهم والسنتهم المغروسة في صرخات البؤساء.
رغم مقتي للسلطة، وشغفي بالحياة على عواهنها، واحتقاري لكل إله من صنع البشر ابتداءً من التمر والحجر، وانتهاءً بالخبز و”هبل” الذي يجري في عروقه الدم، تراودني حيرة هل من المعقول بعد مجيء الف نبي وقديس يعود العالم تيهاً؟.
في مدن التيه من الجنون يكون عقلك ملك يمينك، لتبرر العوز وترتله نشيدا لكل الجائعين، يفرض عليك أن تفكر بعقل غيرك، ليس مهما أن تكون مسلوب الإرادة، لا تمتلك حق الرد، فإذا وضعت في الكفة الخاسرة يكون الجنون نعمة.
لا شيء يبدو جميلا، تسلل القبح لكل شيء، ليس مهما كيف تسلل، تغير كل شيء، أتدري ما الذي يغيرها، أن يمتلك الجاهل كل الأسرار، أن يصبح الثائر انتهازياً، أن يلبس العهر ثوب العفاف.
في مدن التيه أيضا ثمة حكايا من نسج خيال البؤساء، ترويها العجائز لينام الأطفال، وفي لحظة سهوا منا فتحنا اذرعنا ومددناها جسراً بحجم السماء، فعبر من فوقنا السفلة واللصوص من أبناء الحظوة وماكنة التفريخ والتوريث إياهم.
في مدن التيه أيقنت بمبادئ، فكان بلوغ الغايات ضرب من المستحيل، فكان الثمن الذي وجب سداده، غاضب على كل القطيع لانه أسس لقانون البقاء للأقوياء، وعاتب على رغيف الخبز الذي يكتفي ملء بطون الجياع.
فمنذ اول سنبلة رفضت ظلم المنجل، وإلى آخر رغيف خبز سرق الحناء من كف الأمهات، ونحن نبحث عن يوسف في وجودنا، في غيابة الجب، لم يتبقى لنا سوى كيد إخوتنا وذئب سيحمل جريرتنا زوراً، وقميص سيقد ذات يوم من الجهات الأربع.
يجلدني سوط الندم، حينما كنت أؤمن بمقولة: “الكلمة أبلغ من السيف”، حتى أيقنت متأخرا أن الكلمة بلا سيف لا تصلح إلا عصا يتوكأ عليها عاجز، أو راعيا يهش بها على غنمه.
في هذا التيه، عندما تفهم الواقع أكثر مما يجب، يكون الحق كله معك عندما تقرر العزلة المقدسة لتنجو بنفسك، يقينا الذين فهموه يسكنون الهامش، يتيهون في الأرض شعراء، فلاسفة، نساك، أو حتى على هيئة مجانين.
لا أعرف المقدار المتبقي لي من حصتي في الكلام، ساعة، نصفها، عشرة دقائق، خمسة، المهم إنه عد تنازلي، الوقت في هذه الحالة لا يقاس بالساعات، وإنما بما لم يقال أو حتى أن كان باستطاعتي قوله، وكم يكفيني من الوقت لتعويض ما فاتني، ينتابني إحساس وكأنني لم أقل شيئاً طيلة حياتي.