الحوامدة يكتب: من سلالم السلط .. إلى سفارات الخارج!
وكالة الناس
كتب الدكتور بشار حوامدة:
تابعت بقلق شديد ظاهرة الاعتداء المبرمج على السفارات الأردنية في الخارج؛ شباب بإخراج تلفزيوني محكم، يتهجمون على موظفي السفارات، يحملون هواتفهم الجاهزة للبث، ومن سلالم السلط .. إلى سفارات الخارج! ربما مرتبطة بقنوات تلفزيونية لا تقل قذارة عن قذارتهم، بحجة موقف الأردن من غزة.
اختلطت المشاعر؛ فالشخص معد مسبقًا، وبحركات ترامبية، يفاجئ الضيوف الذين لم يعتادوا تلك المواقف. فهذا من بلد أغلق المعبر في وجه أهل غزة، وذاك من بلد لا يتوقف عن التحريض على الأردن وفلسطين، وآخر يعتاش من قنوات مشبوهة، وكثيرون ممن يعشقون التصوير والظهور، والذين أسماهم السيد سامي، رئيس نادي الوحدات الأسبق، ذات يوم: “عاضهم الكلب”.
تذكرت قصة جارنا الذي تدخل يومًا ليفزع لي من “كتلة محتملة” عند والدي نتيجة فقدان بعض المؤشرات الصحية، وبدأ يلوم والدي على هذا الفعل، قائلاً إن الولد محترم ومربى وشاطر في المدرسة، وسط ذهول والدي الذي ربى وعلّم، ويعرفني أكثر من الجميع، ولا حاجة للفلسفة. علمًا أن جارنا كان قد انتهى لتوه من جلد أفراد عائلته بقشاط عرضه 9 سم وسماكته 3 سم.
تذكرت أيضًا كيف يتم اختيار السفراء، وما هي مواصفاتهم. في العادة، يكون السفير منذ نعومة أظافره “مسمسمًا”، لطيفًا، أليفًا، فوالده كان سفيرًا أو وزيرًا، نشأ على المربى، ويعتبر الفول والحمص من التراثيات، التي يتحمس للتصوير معها كل أربع سنوات مرة، خلال زيارة لمطعم هاشم وسط البلد. لم يدخل أحدهم في طوشة حقيقية، لم تُكسر يده، ولم يُجرح وجهه أو كفه، وربما كانت أكبر مشادة كلامية في حياته تنتهي بجملة: “بحكي لبابا”.
وكنت أتمنى أن يقابل هؤلاء المعتدين على السفارات، الذين يشتمون الأردن وهم يحملون هواتفهم، شخصًا شرسًا بمواصفات رويزق عربيات، خريج سلالم السلط، أو ربما شخصًا ترعرع في جبل النصر، ودرس العلوم السياسية، وأصبح سفيرًا، ليواجه ذلك المعتدي. في تلك اللحظة، أظن أن سفيرنا، الذي يشبهنا، سينسى تمامًا كل البروتوكولات الدبلوماسية، وسيلجأ إلى قشاط الجار التاريخي، أو ربما إلى شبشب والدته (مقاس 44) الذي ورثه عن “العملية التربوية الناجحة”، ويطرد هذا النكرة قبل أن يبدأ بالكلام أو الشتم.
نحن نقبل أن يعاتبنا غزي بحرقة، نتيجة الجوع وقلة الحيلة، لكننا لا نقبل أن ينتقدنا عربي شبعان، أو أجنبي شارك في العدوان، ولا نرضى أن يقلل من دورنا أحد، أو يسخر من المساعدات والطائرات المحملة بالطرود الغذائية، أو يدعو إلى الفتنة وفتح الحدود، بينما بلده يركع ليل نهار لإسرائيل وأمريكا، واقتصاده يزدهر من نكبات غزة. بلدان تزوّد طائرات العدو بالوقود، ونحن، رغم ضعف الحال، نزود الطائرات بالمساعدات الغذائية، وحتى إن تم الأمر بالتنسيق مع العدو، ففعل شيء أفضل من لا شيء.
بلدي الأردن، رغم ضعف الإمكانيات، ورغم الوضع العربي الرديء، والانبطاح الأممي لأمريكا وإسرائيل، لم يتوانَ يومًا عن الدفاع عن القضايا العربية، وليس مطلوبًا منه أن يثبت مواقفه من القضية الفلسطينية لأحد، تمامًا كما هو الحال مع والدي حين تدخل أحد “الجبران” بيني وبينه بحجة حقوق الإنسان؛ فوالدي، كالأردن، ليس مضطرًا لتبرير موقفه، ولا للتغني بعلاقته بي، والتدخل في العلاقة كان استعراضيًا وشكليًا لا أكثر.
حمى الله الأردن من الفتنة والمؤامرة ورداءة الجيران والخلان!