عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

نحو بلديات أفضل: كيف يضع القانون الأساس لجودة الخدمات؟

 بقلم: اسامه محمد العزام
في غياب مؤشرات أداء واضحة ومُلزمة، يصبح تقييم عمل البلديات مهمة ضبابية تعتمد على الانطباعات العامة. فالمواطن لا يريد فقط أن يعرف أن الشارع قد تم تعبيده، بل يتساءل أيضاً عن تكلفة ذلك مقارنةً بالبلديات الأخرى، ومتى سيحتاج إلى صيانة جوهرية مرة أخرى، وعما إذا كانت هذه هي الأولوية الفعلية للحي. هذا الانتقال من مجرد “تقديم الخدمة” إلى “ضمان جودتها وكفاءتها” يتطلب أساساً صلباً، وهذا الأساس لا يوفره إلا إطار تشريعي واضح ومُلزم.
إن العديد من أنظمة الإدارة المحلية الفعالة حول العالم تدمج آليات واضحة لتقييم البلديات ومساءلتها ضمن تشريعاتها الأساسية، محولةً بذلك القانون من مجرد إطار تنظيمي إلى أداة فاعلة لضمان الجودة والحوكمة الرشيدة. وتمثل هذه الآليات جوهر العقد الاجتماعي بين المواطن والبلدية.
وتقدم العديد من التجارب الدولية الرائدة نماذجاً أثبتت جدواها على أرض الواقع. ففي بريطانيا، يُلزم مبدأ “القيمة الأفضل” البلديات قانونياً بالسعي المستمر لتحسين خدماتها، مع الأخذ في الاعتبار معايير الاقتصاد والكفاءة والفعالية، فهناك، لا يكفي أن تقدم البلدية خدمة، بل يجب أن تثبت أنها تقدمها بأفضل طريقة ممكنة، وأنها تستشير المجتمع المحلي بشكل دوري حول أولوياته.
أما في نيوزيلندا، فيلزم القانون البلديات بوضع “خطط طويلة الأجل” لمدة ثلاث سنوات، تُحدد فيها نتائج مجتمعية واضحة ومؤشرات أداء قابلة للقياس، بحيث يرتبط كل ما تنفقه البلدية مباشرةً بتحقيق هذه النتائج التي تم تحديدها بالتشاور مع السكان. والشفافية هناك ليست خياراً، بل هي إلزام قانوني يضمن أن يعرف المواطن أين تذهب أموال ضرائبه وما هي العوائد التي يحصل عليها.
وفي كندا، نرى برامج مثل “برنامج قياس الأداء البلدي” في أونتاريو، الذي يلزم البلديات بجمع ونشر بيانات حول أدائها في مجالات حيوية مثل كفاءة شبكات تصريف مياه الأمطار، وصيانة الطرق، وجمع النفايات. هذه البيانات المفتوحة تخلق حالة من المنافسة الإيجابية بين البلديات وتحفزها على التعلم من تجارب بعضها البعض.
وإذا كانت النماذج السابقة تعتمد على الإلزام القانوني المباشر، فإن هولندا تقدم نموذجاً لا يقل أهمية، يعتمد على الشفافية والمقارنة لخلق التنافس الإيجابي. فمن خلال مبادرة وطنية رائدة تقودها جمعية البلديات الهولندية، تقوم البلديات طواعيةً برفع بيانات أدائها عبر مئات المؤشرات الخدمية والمالية. و
تسمح هذه المنصة المفتوحة لأي مواطن أو مسؤول بمقارنة أداء بلديته مع البلديات الأخرى، مما يخلق ضغطاً مجتمعياً ومهنياً يدفع الجميع نحو تحسين جودة الخدمات والتعلم من التجارب الناجحة.
إن الهدف المشترك لكل هذه النماذج العالمية هو جعل البلدية مسؤولة أمام مواطنيها، وهو تحديداً ما يغيب عن المشهد في الأردن. فالواقع، كما يعرضه تقرير “راصد” الأخير، يكشف عن أزمة ثقة حقيقية: 59% من المواطنين يرون بلدياتهم عاجزة عن تقديم الخدمات، و83% لا يؤمنون بوجود سيطرة فعلية لممثليهم المنتخبين. تؤكد هذه الأرقام أن المعضلة ليست في حجم الصلاحيات، بل في غياب منظومة تحمي جودة الأداء من هيمنة “الواسطة” التي يعتقد 87% من الأردنيين أنها المحرك الفعلي للبلديات.
في هذا السياق، تمثل تصريحات رئيس الوزراء الأخيرة بشأن تطوير قانون الإدارة المحلية فرصة سانحة يجب استثمارها لترجمة هذا التوجه إلى واقع ملموس. فالانتقال بـ “حوكمة العمل البلدي” من مجرد شعار إلى ممارسة فعلية، يقتضي قانوناً جديداً يؤسس لمرحلة مختلفة تقوم على “أردنة” هذه الممارسات الدولية الناجحة وتبني المناسب منها. ويتطلب ذلك التزاماً تشريعياً واضحاً بإلزام البلديات بنشر موازناتها بشكل استباقي ومبسط، وتطبيق مبدأ “القيمة الأفضل”، وفرض تقارير أداء سنوية شفافة تشمل البيانات المالية، وتفعيل آليات المشاركة المجتمعية كجلسات استماع الموازنة. وتكتمل هذه المنظومة بتوسيع الدور الرقابي لديوان المحاسبة ليشمل “تدقيق الأداء”؛ ليكون الضمانة الحقيقية لتحقيق التوازن المنشود بين تحسين الأداء وتكريس الحوكمة.
عندما يصبح تقييم الأداء والشفافية والمشاركة الشعبية جزءاً أصيلاً من الثقافة المؤسسية لعمل البلديات، سنضمن ليس فقط شوارع أنظف وحدائق أجمل، بل سنبني أساساً متيناً لثقة المواطن بمؤسساته، وهي أثمن ما يملكه أي وطن.