0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

الهدر المنظّم… وغياب العدالة في توزيع الثروات

 كتب. سيف جبار الحمداني
رغم مرور أكثر من عقدين على تغيير النظام السياسي في العراق، ما زالت بنية الدولة تعاني من اختلالات مزمنة تتجلى في سوء توزيع الثروات، وتضخم النفقات غير الضرورية، وغياب الإصلاح الحقيقي. وفي وقتٍ تواجه فيه البلاد أزمات معيشية متراكمة، تُهدر المليارات سنويًا في أبواب لا تخدم التنمية ولا المواطن.
رواتب خارج المنطق
تُخصص خزينة الدولة مبالغ كبيرة لرواتب تقاعدية استثنائية، منها ما يعود إلى أعضاء مجالس الحكم والجمعية الوطنية والبرلمانات السابقة، وهي امتيازات لا تستند إلى معايير الإنصاف ولا تراعي الظرف الاقتصادي للبلاد. ويُضاف إلى ذلك ملف الرواتب المزدوجة، حيث لا يزال عدد من الموظفين والمسؤولين يتقاضون أكثر من راتب من خزينة الدولة، في ظل صمت إداري وتشريعي.
الفساد الإداري: فضائيون وسفارات متضخمة
لا تزال مشكلة “الفضائيين” ـ أي الموظفين الوهميين ـ قائمة في مؤسسات الدولة، رغم محاولات المعالجة البيومترية. هذه الظاهرة تستنزف الموازنة بلا مقابل، وتُبقي آلاف العاطلين خارج دائرة التوظيف.
في الخارج، تعاني السفارات والملحقيات العراقية من تضخم إداري حاد، حيث يعمل فيها أحيانًا أضعاف ما تحتاجه من موظفين، وسط ضعف في العائد الدبلوماسي أو الثقافي أو الاقتصادي. تقليص هذا الترهل وإعادة هيكلة البعثات يُعد ضرورة لا ترفًا.
مزاد العملة والمنافذ الحدودية: خزائن موازية بلا رقابة
يمثل مزاد بيع العملة الأجنبية نافذة خطرة تُثار حولها شبهات تهريب وغسيل أموال، بينما كان من المفترض أن يكون أداة لضبط السوق ودعم الاستيراد. كذلك الحال في المنافذ الحدودية التي تتحكم بها جهات نافذة، وتحرم الدولة من إيرادات ضخمة يُفترض أن تدخل الخزينة وتُصرف في الخدمات الأساسية.
امتيازات الدرجات الخاصة: فجوة طبقية ترعاها الدولة
الفوارق الهائلة بين ما يتقاضاه أصحاب الدرجات العليا في الدولة وبين ما يحصل عليه الموظف أو العامل البسيط تُجسّد حالة غياب العدالة المالية. المخصصات المرتفعة والمنافع غير المبررة لا تتناسب مع إنتاجية هذه المواقع، بل تكشف عن ثقافة سياسية ترى في المنصب وسيلة للرفاه، لا مسؤولية تجاه الناس.
قانون “من أين لك هذا؟”… النص الحاضر والتطبيق الغائب
رغم وجود القانون الذي يُلزم المسؤول بالكشف عن مصادر أمواله، إلا أن تطبيقه ظل انتقائيًا وخاضعًا للتجاذبات السياسية. تفعيله الجاد كفيل بكشف ثروات تراكمت دون وجه حق، واستعادة جزء مهم من المال العام المنهوب، شرط أن يُفعّل بأثر رجعي، ويُطبّق على الجميع دون استثناء.
الإصلاح الحقيقي يبدأ من الداخل
ليست الأزمة في نقص المال، بل في طريقة إدارته. العراق لا يحتاج إلى قروض جديدة بقدر ما يحتاج إلى ضبط النفقات، وإعادة هيكلة مؤسساته، وقطع دابر الفساد المستشري في حلقاته العليا. الأولويات يجب أن تُعاد رسمها: من الإنفاق السياسي إلى التنمية، من الرواتب غير المستحقة إلى دعم التعليم والصحة والزراعة.
المواطن لا يطلب المستحيل، بل العدالة. أن يرى أثر المال العام في مدرسته ومستشفاه وطريقه وبطاقة تموينيته. أن يشعر بأنه شريك في الثروة، لا ضحية لسوء توزيعها.