ثم يمضي قطار العمر بين ذاهبٍ يحلم بالكثير، وعائدٍ مكتفٍ بالقليل
كتب .مأمون الخوالدة
يمضي قطار العمر بنا في رحلة لا تشبه سواها. رحلة تبدأ بالحلم، وتستمر بالانتظار، وتنتهي بالفهم.
نركب هذا القطار ونحن نحمل في أعيننا بريق الطموح، وفي قلوبنا اتساع الأمنيات.
نؤمن أن العالم لنا، وأن الوقت كافٍ لتحقيق كل شيء. نرسم الخطط، ونكتب الأهداف، ونمضي بثقة أننا نعرف الطريق.
في بدايات الرحلة، يكون كل شيء ممكنًا. السماء أقرب مما نظن، والأحلام لا تعرف المستحيل.
نمضي بكل ما فينا من شغف. نرغب أن نبلغ القمم كلها، أن نصل إلى ما لم يصل إليه غيرنا، أن نكون نحن الاستثناء وسط العاديين.
لكن مع كل محطة نتوقف عندها، نكتشف أن الحلم وحده لا يكفي، وأن الطريق مليء بما لم نحسب له حسابًا.
نواجه التعب، والخسارات، والخذلان. نعيد النظر في أولوياتنا، تتغير وجهاتنا، وربما تتلاشى بعض أمانينا بصمت.
ومع الوقت، نُدرك أن ما نبحث عنه ليس في القمم، بل في التفاصيل الصغيرة التي نمر بها دون أن ننتبه لها.
الذاهب يحلم بالكثير. يملأ قلبه الأمل، ويظن أن العالم سيفتح له ذراعيه.
والعائد يحمل في عينيه نظرة رضا لم يكن يعرفها من قبل.
يعود بقلبٍ أكثر اتزانًا، وعقلٍ أكثر صمتًا. يعود وقد عرف أن القليل يكفي إذا كان صادقًا، وأن السلام الداخلي أهم من أي انتصار خارجي.
تمضي الرحلة دون أن نشعر، ويصير ما كنا نركض نحوه أقل أهمية مما نحمله بداخلنا.
ذاك اليقين بأننا بذلنا ما نستطيع، وأننا تعلمنا ما يكفي لنمضي بثقة، وإن لم نحقق كل ما حلمنا به.
في النهاية، لا يعود النجاح مرهونًا بما أنجزناه، بل بما فهمناه عن أنفسنا وعن الحياة.
يعود المعنى الحقيقي في أن نصل إلى الرضا، لا إلى كل المحطات التي خططنا لبلوغها.
ثم يمضي قطار العمر. لا ينتظر أحدًا، ولا يعود إلى الوراء.
يحملنا بين دهشة البداية، وهدوء النهايات، وبين ذاهبٍ يحلم بالكثير، وعائدٍ مكتفٍ بالقليل، نُدرك أخيرًا أن جمال الرحلة لا يكون في الوصول، بل في التجربة نفسها.