حين تتفتح نوافذ العقل…
وكالة الناس – كتب مأمون الخوالدة – ثمة لحظة فارقة في حياة الإنسان، لحظة لا تُقاس بالزمن ولا تُقارن بغيرها، لحظة تنفتح فيها النوافذ المغلقة للعقل، بعد طول سبات، فتنساب منها أنفاس الفكر، ويعمّ النور زوايا كانت مغمورة بالعتمة والركود. هناك، حيث كانت القيود المفروضة على الوعي تمنع العقل من الإبحار، يبدأ التحليق، ويولد السؤال، ويتسع الأفق.
وحين يبدأ القلب في النبض بحس الوطن، يصبح لكل نسمة هواء طعم، ولكل ذرة تراب معنى. ليس الوطن حدودًا مرسومة على الخريطة، بل هو شعور يسكن نبضك، ويتغلغل في حروفك، ويهمس في تفاصيل يومك. الوطن ليس فقط مكانًا نعيش فيه، بل هو كيان نعيش لأجله، نحتمل من أجله، ونحلم معه، وندافع عنه بكل ما فينا.
وفي تلك اللحظة التي يصفو فيها العقل، ويخفق فيها القلب، تشتاق الروح لرحمة من خلقها. تتجه العين إلى السماء، لا بحثًا عن غيث المطر فحسب، بل شوقًا لغيث الرحمة. تتوسل الروح المطمئنة أبواب الغفران، وتدرك أن السكينة لا تولد من المادة، بل من يقينٍ راسخ بأن في القرب من الله حياة لا يطفئها حزن، ونورًا لا تطفئه ظلمة.
إنه تداخل عجيب بين العقل والقلب والروح، ثلاثية إن توازنت، نمت فيها الإنسانية. حينها فقط، يصبح الإنسان أكثر من جسد، يصبح رسالة، ويصبح الوطن أكثر من مكان، بل غاية، وتصبح الرحمة الإلهية وطنًا آخر، لا تُهاجر إليه الأجساد، بل ترتحل إليه الأرواح