هل للشمس أن تُغطى بغربال؟؟
هل للشمس أن تُغطى بغربال؟؟
راتب عبابنه
يستقبل الأردن في الأيام القادمة (200) جندي أمريكي في سياق ” التعاون ” بين الجيشين العربي والأمريكي و ” ليس ” لهم علاقة بالأزمة السورية. فقد تم تأكيد الخبر من قبل الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية بعد أن تناقلته وكالات الأنباء نقلا عن البنتاغون الأمريكية وإلا لتم تكذيبه. لكن لم تتوفر الفرصة للمناورة أمام الأردن للتكذيب لأن إرسالهم لم يكن سريا بل معلنٌ من المصدر الأمريكي ويبدو أن التنسيق غائب بهذا الخصوص. لقد كنا نتمنى أن نسمع الخبر من الأوصياء علينا ويديرون شأننا ويكاشفونا بذلك قبل أن نسمعه من جهات خارجية. لكن لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
التوقيت لمثل هذه الخطوة وحساسية المكان وهوالأردن المجاور لسوريا وأكثر المعنيين وأكثر المكتوين بنار الأزمة هناك, يجعلنا أمام تساؤل ملح يستدعي الإجابة العاجلة والتوضيح الشافي من قبل الدولة والقائمين على الشأن الدفاعي والعسكري. وتساؤلنا هو ما حاجتنا لهذا العدد من الجنود الأمريكان الذي نعتقد أنه سيتزايد سرا؟؟ الجواب الرسمي يقول أن الأمر لا يعدو كونه تعاونا عسكريا بين البلدين. المصادر الأمريكية تؤكد أن الأمر يتعلق بالتعامل مع الأسلحة الكيماوية بحال تم إستخدامها من قبل النظام السوري. والفارق بين التصريحين واضح وبينهما محاولة لتغطية الشمس بغربال.
المتابع للإعلام الأمريكي يلاحظ وجود نسبة عالية من عدم الرضى عن هذه الخطوة التي يعتبرها الخبراء ذوي الإختصاصات العسكرية والإستراتيجية وكذلك مراكز البحث والدراسة والتحليل، خطوة بالإتجاه الخاطئ وغير موفقة من شأنها توريط أمريكا ببؤرة صراع جديدة مضافة للبؤر التي تورطت بها أمريكا وتعاني منها في العراق وإفغانستان.
فكيف بالذين يرسلون الرسائل لسوريا وللشعب الأردني بسلمية هذه الخطوة وكيف سيقتنع المعنيون بالداخل الأردني ومعهم السوريون بأن هذه الخطوة لا علاقة لها بالأزمة السورية؟؟ وكيف بالسوريين أن يتقبلوا هذه الخطوة على أنها ليست تدخلا بشأنهم الداخلي وليسوا هم المستهدفون؟؟ هل هؤلاء الجنود قوة تدخل سريع للسيطرة على جنوب سوريا عند الحاجة ظنا منهم أنهم ينأون بالأردن عن اللوم والخطر السوريين؟؟ لكن أليس من الغباء أن نصدق أن من يسمح لتواجد قوات أجنبية على أرضه يمكن أن تلحاق الضرر بدولة مجاورة ليس بالشريك والمبارك لهذه الخطوة, ولو من المنظور السوري؟؟ ومن الغباء والسذاجة أيضا أن نتغافل عن عدم شعبية أمريكا لدى شعوب المنطقة ومنها الشعب الأردني وعدم ترحابه بتواجد جنودها على أرضه، مما يضيف سببا آخر قويا ووجيها ليندفع الناس بحراكهم ومعارضتهم وأحزابهم نحو التصعيد الذي ربما يأخذ منحىً جديدا باتجاه فوضى عارمة واحتجاج وعصيان يصعب الفكاك منه وينطوي على مخاطر وتبعات تجرنا للدخول بصراعات وصدامات يصعب التكهن بنتائجها .
وكيف لنا أن نتغافل عن عدد اللاجئين السوريين الذي يقترب من المليون أو يزيد؟؟ هل سيقفوا متفرجين عندما يحمى الوطيس ونحن نراهم الآن لا يعجبهم العجب؟؟ فكيف عندما تتوفر لهم الثغرات والمخارج في ظل الإنشغال بشمال الأردن الملاصق لجنوب سوريا, ساحة الوغى, وما يمكن أن يجري به من مسببات الفوضى والإنفلات وضعف السيطرة؟؟ ورغم كفاءة رجال الأجهزة الأمنية بكافة صنوفها, نسمع بشكل متكرر حالات انفلات ولومحدودة من المصادمات مع الأمن والإعتداء وحيازة المخدرات وترويجها ناهيك عن حالة عدم الرضا والتذمر من الخدمات والبنية التحتية. وهم بهذا يطمحون لوضع يقارب مستوى الخمسة نجوم. وهذا يدعونا للإعتقاد بأن الوضع يدعو للقلق من خلق واقع لن نقوى على التعامل معه للخروج منه بسلامة.
نتمنى أن يكون أولي الأمر قد نظروا للصورة كاملة دون إغفال أي جزء منها. هل دُرست تبعات تواجد الجنود الأمريكان على أرض الأردن؟؟ لنا عبرة من مواقف المغفور له الحسين قبيل حرب الخليج الثانية عندما كانت تحركاته تتمحور حول تجنيب المنطقة تبعات تواجد قوات أجنبية على الأرض العربية وذلك لمدى إدراكه لما يمكن أن يسببه هذا التواجد من توتر وتوجس وقلق لدى المواطن العربي. فكيف بنا نقبل ومعنا نجله بالتواجد الأمريكي على أرضنا؟؟ وهل سيتوقف تواجدهم على العدد المعلن أم أنه سيتزايد في خضم الأحداث وتلاحقها بوقت لا نستطيع به إلتقاط أنفاسنا؟؟ نرجح أن الرقم الحالي الهدف منه التخفيف من رد الفعل وحصره بحدوده الدنيا ليعطى صفة الأمر الواقع ويتم تقبله تدريجيا.
الشيء بالشيء يذكر, في بداية احتلال الكويت من قبل العراق, قيل مرارا وتكرارا على ألسنة حكام دول الخليج الذين لم يعتادوا الظهور على الإعلام أن القوات الأمريكية وغيرها من الدول الحليفة, أن القوات القادمة رمزية ولمنع الجيش العراقي من التقدم داخل السعودية وتبين بعدها أن الأمور كانت تمشي ضمن مخطط خبيث أعد له جيدا. وبعدها أطلقت محاولة الشرق الأوسط الجديد التي لم ترُق لأحد سوى اسرائيل. وها نحن نستشعر الخطر القادم ونشتم رائحة التقسيم والتوطين وخلق دويلات جديدة.
في بداية الأزمة السورية صرح وزير خارجيتنا السيد ناصر جودة بأنه اتخذ كل التدابير والإحتياطات التي من شأنها استيعاب أضرار السلاح الكيماوي. وإسرائيل أعلنت مؤخرا أنها تتكفل بالتعامل مع الأسلحة الكيماوية بحال استخدامها. وجيشنا العربي الذي نفتخر به وبقدرته وكفاءته قادر على صد أي عدوان ودحره. والمواطن واعٍ ومتعاون خصوصا عند الشدائد. بعد هذا كله ما الداعي لوجود الأمريكان على أرضنا؟؟ مسؤولونا دائمو التأكيد على الجاهزية لمواجهة ما يمكن أن يطرأ من وجهة نظر دفاعية, وبهذا ينفون وجود المبررات التي من شأنها تسويغ مثل هكذا خطوة تنطوي على الكثير من الإستحقاقات الباهظة الثمن الذي يدفعه بنك المواطن.
والزيارات المكوكية لدول المنطقة من قبل صناع القرار الأمريكي من الرئيس أوباما ووزير خارجيته ووزير دفاعه بالإضافة لأعضاء من مجلس الشيوخ، زيارات تنبئ بوجود ما يحاك للمنطقة. الرئيس السوري هددنا بأن الحريق لن يتوقف عند حدود سوريا بل سيتعداها لدول الجوار والأردن بالذات. ولم يقل ذلك لاستهدافنا، لا بل قاله بعد أن تيقن أن الأردن أخذ ينجر مع السياسة الأمريكية والرغبة القطرية والسعودية بخصوص إحداث تغيير بسوريا. لسنا من المدافعين عن النظام السوري بقدر ما نود توضيح الأمر وتقديم النصح لمن يعنيه الأمر أننا بغنى عن كل ذلك حتى نتجنب ما يمكن أن يلحق الأذى بالأردن وشعبه. خوفنا نابع من واجب الحفاظ على ترابنا من أن يدنس ويتأذى من جراء ما نستشفه من الترتيبات والسياسات والتوجهات التي نتابعها.
لقد ثبت أن أمريكا لا تعير اهتماما لا للشعوب ولا لحكامهم بقدر ما تهتم بأمن اسرائيل ومقاومة من يزعجها وأمن اسرائيل يماثل أمن أمريكا إن لم يفوقه بسبب السطوة الصهيونية. وبناءا عليه، فمقولة أن وجود الأمريكان بالأردن هو من قبيل التعاون العسكري وليس له علاقة بالشأن السوري وما يجري بسوريا وما يخطط له أن يجري، فمقولة لا تنطلي على الأطفال وهي كمن يحاول تغطية الشمس بغربال.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com