0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

دولة النسور: محاربة مظاهر الفساد وليس الفاسدين

دولة النسور: محاربة مظاهر الفساد وليس الفاسدين
راتب عبابنه
من بين ما أكد عليه دولة النسور ببيان حكومته محاربة الفساد. ويبدو أن هناك ما يفصل الفساد كنتيجة وممارسة عن الذين قاموا بصناعة وممارسة الفساد. ومن خلال ما وعد به دولته نفهم أن النية, والحمد لله, متوفرة بمحاربة الفساد أما الفاسدون وأدواتهم وأزلامهم لم يتم التطرق لهم ربما لأهميتهم أو لنفوذهم أو لقدرتهم على قلب المعادلة أو ربما لأنهم أصحاب فضل قادرون على إيصال من يرون به الإستعداد للتستر على فسادهم. لا نملك أن ندخل بالنوايا وما بداخل القلوب لأن ما تكنه من علم الخالق عز وجل ومن علم أصحابها. ما نملكه هو الحكم على ما نسمع وما نرى. لذلك سنتوقف عند قول دولة الرئيس بصدر بيانه عندما قال:
” والحكومة من خلال مسعاها لتعظيم قيم النزاهة والعدل الذي هو أساسُ الحكم وباعثُ الاستقرار والطمأنينة، لتُدرك حجم التحدي الإداري والسياسي الذي يجب الاضطلاع به، المتمثّلِ بتراجع مستوى الأداء في إدارات الدولة، وضعفِ مستوى الخدمات المقدمة للمواطن، وانتشارِ حالة من الإحباط بسبب ضعفِ الإنجاز وبطئه، والشعورِ العام بتراجع قيم الجدارة والكفاءة، ومن أجل مواجهة ذلك، فستضرب الحكومةُ بقوةٍ القانون على مظاهر الفساد وقضاياه كافة، لقناعتها أنّ لا شيء يستفزُ الرأيَ العام أكثر من الفسادِ وتفشيه، والانتقائية ِفي التعاملِ معه، مع التأكيد على القاعدة القانونية:أنّ المتهمَ بريءٌ حتى تثبت ُإدانته، فالظلم ظلمات، والرغبةُ في مكافحة الفساد لن تضللَ بصيرتَنا عن إحقاق العدل.”
الفقرة المقتبسة حرفيا من البيان الطويل جدا تبين أن هناك اعتراف وإقرار بوجود تراجع بالأداء لدى إدارات الدولة والخدمات ضعيفة والإحباط منتشر بسبب الإنجاز الضعيف والبطيء. والخروج من هذه المعضلات يأتي عن طريق محاربة “مظاهر الفساد” والإبتعاد عن الإنتقائية. أقسم أننا نود تحري الصدق والتصديق, لكننا منتظرون آملين أن تتحقق هذه الوعود. من الواضح أن هناك اعتراف بأن الفساد قد أدى للكثير من التقصير الحكومي الذي نال من المواطن بشراسة. إقرار متأخر لحد ما لكن أفرج عنه بلحظة عاصفة تستدعي ممن يخطب ود النواب ونيل الثقة أن يبوح بأكثر من ذلك.
هناك عزم على محاربة “مظاهر الفساد” أما الفاسدون أبرياء حتى تثبت إدانتهم. وكأن دولته لا يريد الإقتراب منهم والعجيب أنه يقر بوجود الفساد ويتعامى عن قول أن هناك فاسدون ولو تعميما. الأثر يدل على المسير دولة الرئيس. ما يمنعك من قول أننا سنحاسب من يثبت تورطه؟؟ وبهذا تضرب مثلا بالشفافية التي يتوق لها الشعب ونوابه. لماذا شفافيتك تصل أعلى مستوياتها عندما تنوي رفع الأسعار لترضي صندق النقد والبنك الدوليين؟؟ أليس لهذا الشعب نصيب من شفافيتك الإيجابية؟؟
المتتبع والمراقب للمتحدثين من الحكومات يلاحظ ذكرهم “الفساد” لكن مفردة “فاسد” أو “فاسدين” ليست بقاموسهم وذلك هروب من إلزام أنفسهم بتسمية الفاسدين. وتلك محاولة للقول بأن الفساد مخلوق فضائي قد هبط على الأردن من الفضاء الرحب وصناعه مجهولون وليسوا من البشر. وهذا بدوره يعني لا وجود لأصحاب معالي فاسدين ولا متنفذين فاسدين ولا متقاعدين قدامى فاسدين ولا خصخصة ولا اتفاقيات بيع وتمليك لموارد الشعب وربما لا وجود للمدعو باسم عوض الله.
طرح يعنون لنهج لم يعد ينطلي على المواطن الأردني ولم يعد بمقدوره الصمود أمام وعي وإدراك الأردني الأكثر تعليما ووعيا ومتابعة لاستقراء المستقبل في المنطقة. ووجود الأردن في قلب منطقة ملتهبة مضافا لذلك انخراطه بالأحداث المتعلقة بفلسطين, خلق ذلك لديه المعرفة والدراية لقراءة الواقع بدقة. لكن حكوماتنا المتعاقبة لا تؤمن بوجود الوعي التام وإن تلفظت به أمام الإعلام. الطابع العام لسياساتها وكيفية معالجتها لقضايا الناس يفضحان ما تحاول ستره من استخفاف بالعقل متبعة أساليب المراوغة والتضليل والوعود الجوفاء وشراء الوقت وهي المنطلقات التي تستند عليها الحكومة لتمرير ما يمكنها تمريره.
لو تناولنا الموضوع من وجهة نظر سيكولوجية لتوصلنا لوجود سبب للتوتر مستبطن بالنفوس قائم على تراكمات من الصد وغياب الإحترام للعقل البشري عند الأردنيين من قبل مؤسسة الدولة. وقد أيقن الأردني أن الحكومات تحط من مستوى ذكائه وقدرته على الإدراك والإستدراك مثلما تستهتر بقدرته على استشعار الخلل. الإعلام يُضَيّق عليه وتوضع أمامه العراقيل إذا لم يصفق لكل ما تقوله الحكومات. رغم ذلك المصفقون كثر ولديهم الإستعداد لقلب الأبيض أسودا والعكس, ورأينا الكثير ممن تقلدوا أرفع المناصب الإعلامية وأخطرها وأشدها حساسية وإذا بهم لا يملكون القدرة ولا الحس الصحفي عند إخراج خبر يتعلق برأس الدولة. وهذا ناتج عن انسلاخهم عما يدور حولهم وتنكرهم للجسم الصحفي الذي تربوا بحضنه, بل اهتمامهم بالمنافع والمكاسب الشخصية كغيرهم من نفس التركيبة صار حاجزا حجب الواقع عنهم ولم يعودوا يتفاعلوا مع أبناء جلدتهم.
لقد استمرأت الحكومات نهج الإستهتار والمراوغة حتى صار الأداة التي تسوس بها وفي ظلها تضع خططها وتتخذ قراراتها. وهذا أوصلها لمرحلة الإيغال بالتمادي بهذا النهج الذي إن استمر دون إحداث تغيير فهو دفع للناس نحو التصعيد والتهييج الذي لن يفضي إلا للمزيد من الفوضى والتوتر والإحتقان والشعور بالغبن والمزيد من الإحتقان الذي يسبق ثوران البركان. لا نعتقد ولا نظن أن النظام والعقلاء راغبون بذلك مثلما لا نرغب به نحن. فلنبحث عن السوس الذي ينخر بسيقان الوطن قبل أن تنهار.
إن اختلفنا مع الدولة فنختلف على مصلحة الوطن لأنه أغلى وأدوم من الأشخاص. وإن اعترضنا فنعترض على ما نراه إجحاف بحق الوطن وليس رغبة بالمناكفة وليس حبا بالمشاددة وفرد العضلات. ونتفق مع الدولة عندما نرى مصلحة الوطن مصانة.
من تجربتنا مع دولة النسور كمراقبين ومتابعين, نعلم أنه ذو فطنة ونباهة ولديه من الذكاء والحنكة ما يجعله عرضة لكي لا نغفر له تسمية الأشياء بمسمياتها. هل فاته أن يسهب ولو قليلا وهو المسهب دوما بجزئية الفساد وهو الذي يعشق التفاصيل ويعشق التأكيد والتكرار لجمله ومفرداته التي تتعلق بما يعد بتحقيقه وتنفيذه؟؟ هل فاته القول أنه سيلاحق الفاسدين ويحاسبهم ويسترد أموالنا أموال الوطن المرصودة بحساباتهم؟؟ فالضرب على “مظاهر الفساد” كصد الهواء بعصا والشباك مفتوح. إذا لم تعالج أسباب الفساد فلا طائل من ضربه.
لا أظن أن ذلك فاته بغفلة بل فَوَّته متعمدا حتى لا يستثير الناس الذين فاض مخزونهم بالمثيرات. وهذا يقودنا للميل أكثر نحو تعريجه السريع على “ضرب مظاهر الفساد” ولم يتطرق البتة للفاسدين فقط للإستهلاك النوابي واستقطاب الأصوات باتجاه منحه الثقة. ويعلم دولته جيدا أن الفساد شغل الناس الشاغل ومن الأهمية بحيث كان الأجدر بدولته إيلاء الموضوع أهتماما يليق بخطورته. وهذا يدعونا للقول أن هناك غرض بنفس يعقوب.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com