د. يوسف العجلوني يكتب .. الزوج من المريخ والزوجة من الزهرة
كتب . د. يوسف العجلوني
إن فكرة طرق باب موضوع كهذا في مقال، تحمل كثيراً من التردد والحيرة، وذلك لاختلاف الآراء والبيئات والمعتقدات، ولأن الطرح يحتاج للنظر من عدة زوايا، كما أن النقاش في موضوع كهذا فيه كثير من الصعوبة وذلك بسبب التشعب والخوف والغموض والتحفظ والإنكار عند الكثير من المتزوجين وأفراد المجتمع.
العلاقة الزوجية فيها مشاركة لكل تفاصيل الحياة بحلوها ومرها، ولا يمكن أن يتحد الزوجان في الرأي والطباع والثقافة والعادات والتقاليد، حيث يأتي كل منهما من بيئة مختلفة، لذلك التوافق لا يعني أن يكون أحد الطرفين نسخة طبق الأصل عن الآخر. فسعادة الأزواج تأتي من القدرة على ضبط النفس وحب التعاون، والثقة تلعب دوراً كبيراً في تقريب وجهات النظر بين الزوجين، وبالحب يستطيع كل منهما اقناع الآخر بوجهة نظره، أو التنازل عن موقفه أحيانا من أجل الآخر.
من الطبيعي أن يحدث خلافات بين الأزواج وذلك نتيجة لاختلاف التركيبة الإلهية بين ذكر وأنثى الذي يترتب عليها العديد من المفارقات الجسدية والنفسية والشعورية ونسبة التحمل والقدرة على القيام بالواجبات والرغبات، بالإضافة إلى الاختلافات الفكرية، واختلاف الشخصيات، واختلاف وجهات النظر والآراء.
الشائع بين الأزواج وسبب معظم المشاكل هو تحويل اختلاف وجهات النظر إلي خلاف وصدام ليس له داعٍ، وذلك بسبب عدم قبول أو احترام وجهة نظر الآخر، والنظر إلى أي موضوع من زاوية مختلفة، وعدم الإنصات وعدم محاولة فهم ماهية الأمور، الأمر الذي يعطي مساحة واسعة للخلاف، وهنا يجب التعامل مع الخلاف بطريقة منطقية، وسماع وجهات النظر المختلفة، والمناقشة بهدوء، وأخذ الموضوع بطريقة واقعية متكاملة، وتكون المصارحة والتعبير عما في النفس، ويكون هناك تفاهم واتفاق، ودائما التراضى هو الحل الأمثل، تجنباً لحدوث مشكلة أكبر.
أسباب الطلاق متعددة ومتنوعة، منطقية وغير منطقية، مشروعة وغير مشروعة؛ وقد تعود لعمل المرأة واستقلاليتها المادية، حيث أصبحت الزوجة العاملة لا تهتم بمتطلبات الحياة الزوجية ورضا الزوج. وقد يعود لوضع العائلة المادي الصعب. أو قد تكون اختلاف النظرة المجتمعية للسيدة المطلقة هي السبب، حيث أصبح ينظر للطلاق والمرأة المطلقة بصورة مختلفة أقل حدة وسلبية وسوء مما كانت عليه سابقاً. وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة زادت نسبة الطلاق، وعدم التكافؤ الفكري والاجتماعي أيضاً. ومن أسبابه العنف الأسري والتربية الأسرية والمجتمعية، وتراجع القيم وضعف الارتباط والاحترام بين العائلات. بخل الزوج أو عدم قدرته على تحمل المسؤولية قد يكون سبباً للطلاق، وكذلك الزوجة النكدية، وعدم التطابق العاطفي والجنسي، وتعدد الزوجات.
الطلاق العاطفي أو الطلاق الصامت هو عندما يعيش الزوجان منفردين عن بعضهما البعض، في بيت واحد، ويكونان في حالة من الانعزال العاطفي أو السريري أو النفسي، ولا يكون بينهما لغة تواصل ولا حوار، ويغيب الحب، وتختفي مقومات الحياة الزوجية، لا سكينة ولا مودة ولا رحمة ولا مشاعر، وفقدان العاطفة، وظهور القسوة والتنافر، ويقتصر مفهوم المسؤولية على الإنفاق، ويستمران مع بعض كأنهما غرباء، فقط من أجل تربية الأبناء، ويظهران أمام المحيطين بهما أنهما أزواج، والحقيقة أنهما منفصلان، والمشكلة أنه في المجتمعات العربية المحافظة يصعب الحديث عن هذا النوع من الطلاق، إذ يبقى كلاهما أو أحدهما حبيس البيت، وهذا الإنفصال لا يقل ضرراً على الأسرة من الطلاق الرسمي، لأنه نوع من الحرب الباردة التي قد تشتعل بأي وقت.
الزوجة دائماً سوف تبقى تعتقد ومقتنعه تماماً أنها زوجة مثالية ونادرة، ولا ينقصها شيء، وعقلها راجح، وتهتم بالأولاد والمنزل وبالواجبات الاجتماعية، وذلك صحيح فقط في دورها كأمٍ وربة منزل، ولكن ليس كزوجة، حيث تهمل الكثير مما يهم الزوج، وهنا قد ‘تسيل المياه من تحتها وهي مطمئنة ولا تدري’، حيث أن الرجال لا يستطيعون التحمل طويلاً.
يصاب الرجل بحالة من عدم الإستقرار بسبب عدم التقارب مع الزوجة، وإهمالها لمشاعره ورغباته، ومع مرور الوقت يضعف شعوره نحوها، وتقل أهميتها عنده، ويبدأ بالبحث تعويضاً عن هذا النقص الذي يعاني منه، فيبدأ بالبحث عن أصدقاء وجلسات، ونشاطات ترفيهية واجتماعية، ويبدأ يكره العودة إلى المنزل، ويشعر بالفراغ النفسي والعاطفي والجنسي، وفي حال وجود أي سيدة أخرى تعطيه أي اهتمام، سوف يشعر بالثقة، ويتقرب منها، ويبدأ المراهقة والتشبب، وهنا يبدأ الرجل يعيش حياتين: واحدة ظاهرية لإرضاء المجتمع والأسرة، وتمثيل دور الأب والزوج المثالي، وحياة ثانية خاصة يقضيها مع حبيبته سراً، ويعبر فيها عن كل ما ينقصه. وبعض الأزواج يبحثون عن حياة أخرى مثل التفكير بالزواج الثاني، لكي ينعم بمزيد من الإنتباه والعناية والإهتمام.
إن مسؤولية المبادرة والإهتمام بالطرف الآخر، والمحافظة على الزواح والأولاد تقع على عاتق الزوجين، وكذلك الفشل؛ لذلك يفضل أن يتم مناقشة التفاصيل الدقيقة للحياة الزوجية والمصارحه بما يجول في الخاطر، والانتباه إلى ما قد ينتج في المستقبل فيما لو استمر التعامل بالطريقة غير المرضية للطرفين، ويجب الوصول إلى حلول ترضي الطرفين، حتى لا يصلا إلى حالة من العزلة والبعد، حالة لا يمكن الرجوع بعدها، ومن ثم الطلاق الصامت أو الرسمي.
بعض الزوجات لديهن الوقت الكافي لزيارة أشهر المحلات لشراء أحدث ما أنتجته الموضة، والمتابعة مع كل صالونات التجميل، وزيارة الصديقات، ولا تشعر بالتعب أبداً، وإذا حضرت إلى البيت، حرصت على أخذ قسط كبير من الراحة بعد اللف والدوران، لأنها تعاني من التعب الشديد، وعند استيقاظها من نومها تمسك الموبايل وتبدأ بالاتصال والتواصل على السوشال ميديا لمنابعة مايهمها من أمور ، وتأدية بعض الواجبات، لدرجة قد يشعر فيها الزوج بالغربة وهو في بيته، وإذا تحدث معها أو انتقد أي عمل تقوم به، سيكون الرد جاهزاً والصد والعناد بحجة أنها تتعب كثيراً في أمور البيت الكثيرة، وتنشأ عندئذ الخلافات، والزوجة يأخذها العناد على غير داعٍ، فتستمر في الابتعاد عن زوجها، ويكون الأولاد هم الضحية، ويزداد الوضع سوءاً إذا ما كانت الزوجة من ذوات طبع النكد المستمر، ومن اللواتي لا تحب أن تعيش في جو هادئ، فستعكر بذلك مزاج البيت وأهله وتملأه شعوراً من العصبية والسلبية. هنا يبدأ الزوج بالهروب من هذه الزوجة المستمرة بالنكد، التي تنظر فقط إلى الفارغ من الكأس، وليس عند معظم الأزواج هنا إلا الرد، فيقارنها بمن تعتقد هي أنها دونها في الثقافة والفكر والتصرف والأهل والجمال، فتنصرع الزوجة ‘ويصيبها جنان’ من تلك المقارنة التي تجدها تمس أنوثتها وشخصيتها وكيانها.
الزوجة الذكية التي تربت على الأصول والدين هي التي تستوعب مثل هذه الأمور، وتحافظ على بيتها من التصدع والانهيار، واحتواء الزوج بطريقة مهذبة تجعله يفكر جيداً قبل أن يتصرف تصرفاً يؤثر على الأسرة والأبناء، وتحاول أن تكون دائماً بالقرب من زوجها حتى لا يمل حياتها، ويذهب إلى أخرى تستوعبه وعندها تشعر بالندم ‘يوم لا ينفع الندم’.
الزوجة الذكية جذابة متواضعة ودودة ومتفائلة، واثقة من نفسها وقدراتها، تمتلك طاقة إيجابية لكل شىء حولها، ولا تشعر بالحاجة للمقارنة بينها وبين غيرها، لأنها تعلم أن الجمال يأتي من الداخل.
الزوجة الذكية حسنة المعشر، تتقبل النصيحة دون مكابرة وغرور، قرّة عين لزوجها، ومصدر سكينة لقلبه، وتملأ روحه بحبها، وتواسيه في حزنه، وتكون خير معينٍ له في عسره ومصاعبه، تحرص دائماً على طاعته ولا تغضبه، وإذا أغضبته سارعت لإرضائه، وتحفظ مال زوجها، فلا تُنفق منه دون علمه وبما يعود بالضرر عليه.
الزوجة الذكية قوية تدرك أهمية التفكير الإيجابي لتغيير الحياة إلى الأفضل، ولا تدع التفكير السلبي يحبطها، وتتطلع للمستقبل، ولا تركز على المشاكل، بل تحاول إيجاد الحلول، ولا تتوافق مع الناس السلبيين، وعندها الرغبة المستمرة في تعلم وتجربة أشياء جديدة، لانها تتمتع بعقل منفتح، ولا تسمح لأي شخص بالتلاعب بها، وهي تعرف قيمتها ومكانتها، ولا تؤمن بالسكوت عن الحق.
عند حدوث نزاع، يجب على الزوجين التفكير بالجوانب الإيجابية في كل المراحل، ومهما اشتد الخلاف، يجب أن تذكّر الأوقات الجميلة والصعبة التي عاشاها معاً، ويجب عليهما التصرف بعقل وحكمة؛ يجب على الزوج الإهتمام بالزوجة وتقدير شعورها وجهودها ومراعاة كونها سيدة، وتغيراتها الهرمونية والنفسية. وعلى الزوجة التركيز على حل المشكلة، وكسب قلب الزوج، ولفت انتباهه إليها كحبيبة، ومراعاة وجوده وقيمته ورغباته، وبعد انتهاء فترة الغضب والخلاف سوف يكون كل شيء بأمرها، لأن الرجل على طبيعته عبارة عن طفل بحجم كبير.
التسامح له قيمة طيبة في النفس، ويكون دائماً لمصلحة العائلة، حيث تبقى النفوس خالية من الحقد والكراهية، وينتهي التوتر والإرهاق والألم. التسامح سمة الأقوياء، ولا يمكن أن يكون فيه أي نوع من الضعف بين الأزواج، ويجب أن يكون في وقته دون أي تأخير.
ينفر الأزواج من زوجاتهم عندما تكون الزوجة تتحدث في جميع الاتجاهات ولا تصمت، وليس لها حدود، وليس لديها سر أو خصوصية. ينفر الزوج من زوجته عندما تتكرر الخلافات والصراعات والجولات والمعارك، وعندما تستمر الحروب الباردة لوقت طويل. ينفر الزوج أيضاً عند مبالغة الزوجة بالإنفاق والإسراف. ينفر الزوج عندما تكون زوجتة ملحة وعنيدة، ولا تحسن اختيار الوقت والظرف المناسب للحصول على طلباتها. ينفر الزوج عندما تكون الزوجة مسترجلة، وتتدخل بما لا يعنيها، وتضع نفسها في كل موقف، وتقف عرقولة في طريق الزوج في ممارسة حقه الاجتماعي كرجل وفي حقه العائلي كأب.
تحسين العلاقة الزوجية يبدأ من كلمة شكراً، والتجاوز عن الأخطاء الصغيرة والابتسامة، وتناول فنجان قهوة معاً، والخروج بمشوار قصير، ويكون أيضاً باهتمام كل واحد بالطرف الآخر بكل ما يحب، والمحافظة على بقاء لغة الحوار والصراحة، والنظر إلى الجزء الممتلئ من الكأس، وتحجيم أي مشكلة قد تحدث، ويجب عدم تأجيل أي نقاش، وعدم ترك الأمور تتراكم، والسير في الطرق السالكة، والابتعاد كاملاً عن المسير بالطريق المسدود.
تحتاج الأمور أحياناً لتكرار جلوس الأزواج مع بعضهم أو مع الأولاد في حديقة المنزل، أو في منتزه، أو أي مكان، حيث تكون الشمس والهواء الطلق، وتكون الفرصة متاحة للاسترخاء الجسدي والنفسي وتناول أحسن الأطعمة، وسماع الموسيقى المفرحة، والانتباه إلى عدم الخوض بأي نقاش حاد، وعدم فتح باب الخلافات والأفكار السلبية، وعدم طرح المزعج من الماضي، وتذكر الأشياء الجميلة فقط، والحديث بمحبة وود.
الطلاق العاطفي والنفسي أصعب بكثير من الطلاق العلني الرسمي، حيث يسبب الطلاق العاطفي الكثير من الألم والمعاناة للزوج والزوجة والأولاد، وهو ليس حلاً طويل الأمد، ويجب الانتباه لعدم الدخول في هذه المرحلة. وإذا ما تم الدخول بها، يجب الخروج منها بأسرع وقت؛ ولكن المشكلة عندما يبذل أحد الزوجين جهده من أجل تغيير الوضع غير المريح وإزالة الروتين، والتقليل من النكد، في حين لا يستطيع الطرف الآخر تفهم الحياة الزوجية، ويتمسك بأمور ليس لها داعٍ، ويصر على أسلوب ونهج مزعج دون وضع حلول، فتبوء العلاقة الزوجية حينئذٍ بالفشل الذريع، وتصبح الحياة الزوجية بوضع صعب و’على كف عفريت’.
معرفة متى التوقف ومتى الرجوع خطوة إلى الوراء هي من أهم قواعد الزواج؛ إذ يجب حل المشكلات أولاً بأول وذلك بالتواصل والحوار الهادئ، وتبادل الاستشارات، وأخذ الرأي الآخر في أي موقف، والثقة واللجوء لبعض دائماً، واستيعاب الإختلافات التي تحدث، وتقبل اختلاف الشخصيات، والإنتباه لأسلوب الحديث والتعامل، وإنهاء الجدال والخلافات بشأن أشياء ليست ذات أهمية. ولا داعي للأسلوب الفض وتبادل الصراخ. ويجب التعامل بعقل وحكمة؛ وبذلك يكون المجال لأي من الزوجين التقدم والتأخر حسب ما تقتضيه المصلحة، ويجب دائماً أن يكون الحب والمودة والإحترام هو الأساس.
عند وصول الأزواج إلى سن الخمسين، يتحول كل منهما، مهما كان علمه وثقافته، إلى طفل صغير وخاصة الزوج، ويريد الإهتمام والرعاية؛ وهنا تدخل الحياة الزوجية في احتمالين: الأول: أن تكون الحياة الزوجية هادئة بسبب العشرة وذكاء الزوجة ورجاحة عقل الزوج، ويكون هناك وعي وصبر ومحبة، ويكون الزوج هو السند والظهر والرحمة، وتكون الزوجة السكن والمودة والحنان وراحة البال، فلا يستطيع أحد منهما الاستغناء عن الآخر، وإذا حدث خلاف بينهما لا يسمحان لأحد بالتدخل، وكل واحد منهما يكون الأهم بالنسبة للآخر، وهذه العلاقة هي المطلوبة بين كل الأزواج، والتي هي دليل علي الحب الحقيقي وتضمن استمرارية الزواج، لأن الزوجين هنا يدركان أنهما وصلا إلى نهاية العمر، ولا شيء يستحق الخلاف، فيتغاضى كل منهما عن المشكلات، ويواجهونها بالحب والعطاء والخوف على بعضهما. والاحتمال الثاني: أن تكون مرحلة صعبة ومزعجة جداً بسبب التغيرات الهرمونية عند المراة، وعدم تفهم الزوج، فيبدأ كل من الزوجين بتصيد الأخطاء للآخر، وتصبح العلاقة بينهما أشبه بناقر ونقير، وتصبح العلاقة بينهما عدائية أو شبه مقطوعة، وتقتصر على التمثيل الإجتماعي. وممكن أن تصعب الحالة؛ ويدخل الزوجان في مرحلة من الملل، ويستمر عدم الرضى والعصبية والعناد والتجاهل، إما لأنها طبع منذ الصغر، أو لأنها نوع من التفريغ أو الإنتقام، فيصبح كل منهما لا يرغب بمناقشة أي قرار بمنطقية، وينتابه شعور أنه على حق، حتى لو كان على باطل، ويبدأ الطلاق العاطفي، الذي إن لم ينتهي بذكاء أحد الزوجين، أو من حولهما من الأولاد والعائلة، فستكون الاحتمالية كبيرة للطلاق الرسمي.
قد يبحث الرجل عن إمرأة ثانية، ولا بد أن يكون هنالك سبب ما يجعله يقوم بذلك، فلا أحد يرغب بتدمير عائلة بناها، وربما يكون ذلك فقط نزوة ومغامرة وشعور زائل وينتهي بعد فترة، وممكن أن يكون ذلك قرار، ويعتبره الرجل من حقه حتى لو تسبب في إنهاء حياته الزوجية المستقرة، والبدء في حياة جديدة، وهذا النوع من الرجال لا يسأل عن النتائج.
الرجل بطبيعتة، يحب بيته ويرتاح به، ولا يفكر بهدم عائلة بناها على مدى سنوات، قد يعجبه أن تكون عنده زوجة ثانية، ولكن هذا أمر غير متوقع، وليس من حقه إذا لم تكن الزوجة هي السبب في إهمالها الكبير له، أو نكدها المستمر، أو تقصيرها الواضح؛ وهنا يجب على الزوج فهم حقيقة مشاعره بدقة والتبعات المترتبة على هذا الزواج، وينظر للنتائج على المدى القصير والبعيد، ومن كافة الزوايا.
تعتقد الزوجة أن إقدام الرجل على الزواج الثاني يَنُمّ عن أنانية وقسوة وغدر لشريكة حياته السابقة التي أمّنته على نفسها وقلبها وعمرها، وأعطته كل شيء، وكان جزاؤها بعد ذلك البعد والهجر وهدم وتخريب البيت الذي بنته بجهد وعناء.
ينظر الزوج للزواج الثاني على أنه حياة وسعادة؛ فالزواج الثاني يبدأ بالفرح والحب والدفء والقرب والرومانسية، ويظهر مثالياً، ويفيض بكلمات الحب والعشق والأحلام الوردية، ويكون في قمة الراحة والمتعة، إلا أنه سرعان ما ينقلب لتنطفأ شعلة الهيام والشغف والود، وتبدأ المشاكل بمختلف أنواعها، وتظهر الإختلافات والمناحرات والمشاحنات، وينتهي تدريجياً الإهتمام والحب المبالغ فيه، ويبدأ الرجل يكشف عن ندمه ورغبته للعودة لحياته السابقة، وذلك عندما يبدأ بعمل مقارنات مستمرة بين زوجته الأولى والثانية، ويكتشف ميزات الزوجة الأولى التي كان لا يراها. الآن يبدأ يقدر قيمتها ووجودها وخاصة مع ظهور عيوب الزوجة الثانية، ويكون الندم على الزواج الثاني، فيتيقن أخيراً أن جميع السيدات تتشابه في كثير من الخصال وإلى حد كبير، وأنه كان عليه أن يعرف ذلك قبل ‘وقوع الفأس بالرأس’، والآن تصبح الزوجة الأولى هي الحب الأول والأخير، ولا غنى عنها، فيحاول الزوج الهروب من الزوجة الثانية ونكدها الذي أصبح الآن لا يتحمله، ولم يَعُد بمقدوره التعود عليه، ويقرر عندئذٍ العودة إلى زوجته الأولى بعد تجربة مريرة، بحثاً عن الراحة النفسية والإستقرار، ويبدأ بتذكر الأيام الجميلة ولحظات الإجتماع مع الأولاد، فيحاول إرجاع الحياة الاجتماعية التي فقدها؛ والمصبية الكبرى هنا إذا رفضت الزوجة الأولى الرجوع إليه، فلن يبقَ عنده أي حل هنا لاستمرار الحياة إلا أن يفكر بالزوجة الثالثة، ويرجع ليطبق المثل القائل: “القدر ما بركب الا على ثلاثة”.
لا تستغرب حدوث مشاكل وخلافات في الحياة الزوجية في كل خطوة تمر بها، فذلك من الطبيعي ويحدث مع جميع الناس، وكن مستعداً ومتوقعاً للتغيرات والتقلبات، والزعل والنكد، والشعور بالألم واليأس، والتفكير بالطلاق والخلاص، ولكن أيضاً من الطبيعي رجوع المياه لمجاريها ويستمر الزواج.
أكاد أن أجزم أن السعادة المطلقة والحياة المثلى الخالية من جميع المنغصات في حياة الأزواج هي ضرب من الخيال. لابدّ من وجود ثغرات وفجوات مختلفة ومتفاوتة في هذه المنظومة؛ الأفضل والأحسن في كل الحالات أن يتم التركيز على الحياة الزوجية واستمرارها واستقرارها، وأن تكون مبنية على أسس قوية من المشاركة بكل شيء، وتسهيل جميع الأمور، والتغافل عن الاختلافات، والابتعاد عن السلبية، وتطوير العلاقة الزوجية وتحسينها بكل الاتجاهات، وعدم اعتباره العشرة والتعود والروتين والأولاد هم الأساس، بل يجب أن تكون حياةً متجددة أساسها المحبة والعاطفة والقرب والسكينة والمودة والرحمة، فسيكون هناك فرق واضح وكبير جداً بطعم هذا النوع من الحياة.
المعلم فوزي أبو محمود، لحام متميز ذو خبرة واسعة مهنياً وإجتماعياً، وهو مصري الجنسية ويبلغ من العمر ٦٥عاماً، وأنا اتعامل معه منذ زمن. عندما كنت عنده لشراء لحمة، قال خلال الحديث: “يا ريتني كنت منهم”، ويقصد المحكومين لزوجاتهم، وأكمل الحديث وبدا على وجهه شعور بالألم: “كان معي الآن مليون دينار، لأني خلال الخمسين سنة الماضية، كنت ما أرد على زوجتي، ودائماً تطلع هي صح، وبذلك أنا خسرت الكثير من المال والجاه”.
وأخيراً أقول للرجال :
“من أجل أن يبقى الواحد منكم معززاً مكرماً وما يخسر نفسه وماله، ويعيش الحياة بواقع مريح، ويبتعد عن الخيال، ويحافظ على أصول وأسرار استقرار الحياة الزوجية واستمرارها، يجب أن يستشير زوجته، ويأخذ موافقتها في جميع الأمور، حتى لو فكر أن يكتب أو ينشر أو يقرأ مقال كمقالي هذا”.
