عالم سفلي جداً
عندما نذكر عبارة «العالم السفلي» فإن المخيّلة الإنسانية بمختلف الأديان تذهب هناك إلى المنطقة العميقة تحت الأرض أو العالم حيث تقطن فيها أرواح من ماتوا منذ خلق البشرية ، هناك تفتح ملفّاتهم وتبدأ عمليات الحساب المنتظرة الواحد تلو الآخر ، كلٌّ ملهي بملفّاته والحساب المدين والدائن، يحاول جهده أن يعمل تسويات للخروج بأقل الفضائح أمام جموع المتحاسبين ، وقبل أن يغطّ جسده عارياً بالقدور المغلية أو يشوى على الفحم العقابي أمام مواطني«دولة الموتى» جمعاً وغالباً لا يفلح!!..
الوثائق التي سرّبت من شركة «موساك فونسيكا» للخدمات القانونية والتي تتخذ من بنما مقرّاً لها – ظلّت تحاط معلوماتها بسرية تامة حيث تنصبُّ كل خدماتها على حماية أرصدة الزعماء والسياسيين والمتنفذين والمشاهير لتساعدهم على غسيل الأموال وتفادي العقوبات والتهرّب من الضرائب – أثبتت ان هناك «عالم سفلي جدّاً» لم نكن نتخيّله او نعرفه طيلة حياتنا…
العالم السفلي جداً ليس توقّع او خيال..بل هو واقع وحقيقة…هناك منطقة على وجه الأرض تفتح فيها حسابات من اختلسوا وسرقوا ونهبوا وهربوا وهرّبوا أموالهم وأموال الناس منذ تأسيس الأوطان الى يومنا هذا ، حيث كانوا يلوذون بــ»بنما» ليخبئوا أرصدتهم ويخفوا ارباحهم «من أوطانهم» عن أوطانهم ويفكروا كيف يغسلوا ثراءهم من دماء شعوبهم ومحكوميهم…
أكثر من 11 مليون وثيقة سرّبت من هذه الشركة تفضح سلوكيات كثير من سياسيي العالم ومن بينهم – طبعاً لهم صدر البيت والفضيحة- الكثير من الزعماء العرب ورؤساء الوزارات والفاسدين المختبئين خلف كراسي السلطة…11 مليون وثيقة ما زالت تفتح أمام الملأ وثيقة وثيقة كمن يفتح علبة الشوكلاته ، بهدوء وشهية وتشويق حيث ما يزال ينزع عنها بعض الأغلفة وتقرأ بعض الأسماء الطافية على السطح…
الغريب أن جلّ السياسيين والفاسدين الذين مصوا دماء هذه الشعوب رغم معاناته من «الانيميا» الاقتصادية ، يرتجفون هذه الأيام خائفين من «وثائق بنما» في جردة الحساب الأصغر ..لكنهم لم يخافوا من «وثائق» ربنا يوم الحساب الأكبر..هناك حيث لا يستطيعون أن ينفوا فعلتهم او يتنصلوا منها او «يلبسوها» لغيرهم او يدعوا سحّيجتهم للدفاع عنهم.. هناك كل شيء مثبت بالصوت والصورة والتاريخ والخازوق…… هناك «الوضع لووووز»بالنسبة لنا…
شركة «موساك فونسيكا» ليست الوحيدة التي تقدم هذه الخدمات ولن تكون الأخيرة، ولن تكون الأولى التي تُنشر أسرارها ولن تكون الأخيرة .. ففي العالم السفلي جدّاً ،كل شياطين المال يتبرأون من زبائنهم في لحظة ما قائلين :» الا انا دعوناكم فاستجبتم لنا فلا تلومونا ولوموا انفسكم»