عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

الأحزاب قبل عام 1989 وبعده

الأحزاب قبل عام 1989 وبعده
راتب عبابنه
أحزابنا التي عددها يقارب الثلاثين أو يزيد توصف تصريحا أو تلميحا بالفاشلة ومعدومة البرامج أو برامجها لاترتقي لدرجة أن يتم تبنيها والإيمان بها من قبل قواعد عريضة. وهذه النظرة جاءت كتطور يتماشى مع عبور بحرالديمقراطية عام 1989 والسماح لتشكيل الأحزاب, وهي الخطوة التي خطاها طيب الذكر المغفور له الحسين عندما أدرك ضرورة إشراك المجتمع المدني بالإسهام برفد المسيرة العامة للدولة وإدارتها. وجاءت تجاوبا مع التذمر العام من الوضع الإقتصادي والتهميش الذي لم يكن يعادل 10% مما لدينا الآن. الحكمة كانت سيدة الموقف والأخذ بتفاصيل الواقع كان النهج واللحاق بركب من سبقونا هو الهدف والخروج من الأزمة بأقل التكاليف كان الفكرة المسيطرة على من يدير الدولة ولم يترك الشأن للعابثين والمحاسيب.
إنتقاد الأحزاب واتهامها الدائم بقصور برامجها عن محاكاة الواقع المحتاج لعلاج الكثير من مواضع الخلل وتصويب المسار, جاء ديباجة متلازمة وضرورية مع دخول مرحلة الديمقراطية وتشكيل الاحزاب. قبل العام 1989 التلفظ بكلمة “حزب” او “الانتساب لحزب” او ذكر اسماء الاحزاب مثل ” البعث” أو “الشيوعي” أو “التحرير” تجعل متلفظها محط الأنظار من قبل الجهات الأمنية وموضع شبهة وأنه يرتكب محرما أو يكاد. أما الشخص المنتمي لهذه الأحزاب يحارب ويقمع ويحجز جواز سفره وربما يسجن ويحرم من التوظيف والحرمان يطال أفراد أسرته كعقوبة. وهذه الأحزاب من الأهمية بحيث كانت مدا على مستوى الوطن العربي وليست محلية بل كانت تمولها حكومات وترعاها دول وقدمت الكثير لمنتسبيها من تعليم ووظائف ودعم مادي وأوصلتهم لأرفع المواقع بالأردن وغيره.
للاسف هذا النهج الذي كان سائدا وممارسا ومطبقا حتى تشكلت ثقافة عند العامة فحواها السلامة بالبعد عن الأحزاب وحتى عند المثقفين الذين ينأون بأنفسهم عن الصدام مع الدولة ومع النظام مبتعدين عن المناكفة والمساءلة. ولندع التأييد والإيمان والرفض جانبا, فهي أحزاب نحترم ماهو ليس بقليل مما تنادي به ونتحفظ على ماهو السبب الذي ساعد على زوالها أو مازال يساعد. نتناول هنا ما هو تاريخ ليس بالبعيد عشناه وليس تحاملا على جهة بل محاولة لفهم العناصر والظروف التي جعلت من أحزابنا قابلة لوصفها بالضعف والفشل بإقناع الناس بضرورتها وصوابيتها.
الأحكام العرفية كانت قائمه وتشكيل الأحزاب لم يكن مسموحا به وإن ثبت أن هناك من ينتمي لحزب فيطارد ويلاحق وتنقلب حياته وكأنه يعيش على صفيح من نار. لذلك تولدت ثوابت مفادها أن الإنتماء للأحزاب يعني الملاحقه وعدم الحصول على وظيفة ومع مرورالسنين تولدت ثقافة تقول أن الأردن لا يحتاج لأحزاب لأن الأحزاب تعني الإطاحة بالنظام. أما حركة الإخوان المسلمين فحالة استشنائية سُمح لها بالتشكل شريطة التصدي للمد الشيوعي والقومي والبعثي. نعلم أن العمل الحزبي ليس بالهين وهو عقيدة سياسية اجتماعية واقتصادية تتماهى مع تطلعات المجتمع وتسعى لتحقيق طموحاته. فاستقطاب المؤيدين والمؤمنين يكاد يشابه محاولة تحويل مجتمع من دين اعتادوا عليه وآمنوا به إلى دين جديد يحتاج الكثير من الجهد والوقت لتثبت سويته وأهليته ليبدأ الناس بتبنيه ونشره.
الملاحظ أن الأحزاب مستهدفة قديما أي قبل 1989 وبعده ربما لأسباب عقائدية وأخرى وطنية وأخرى تخضع للمعادلات الدولية. وفي أغلب الأحيان يلقى باللوم على الأحزاب لإظهارها أنها لم تبلغ سن الرشد وغير مؤهلة حتى تحوز على ثقة الشارع. وكون مكونات الأحزاب هي أصلا جزء من مكونات المجتمع الأردني فلا شك أنها محبطة بداخلها كونها صاحبة المشروع والمبادرة وإحباطها جعل منها تبدو غير مؤهلة مما جعل الدولة تقتنص هذه الحالة وتعمل عليها وتستغل فكرة نفور الناس التقليدي من الأحزاب مضافا لذلك التعزيز القادم من عراقة وتاريخ وتنظيم حركة الإخوان ذات الإرث التاريخي وصاحبة الأنصار الكثر التي جعلت الأحزاب الأخرى تبدو صغيرة وليست ذات ثقل وتأثير ومحط انتقاد من الدولة ومن الناس العاديين.
نسمع البعض يفسر حالة الأحزاب هذه ويعيدها للعشائرية المتجذرة والتي لا تقبل بالأحزاب وأن الأحزاب تعمل على تفكيك الروح العشائرية ليصبح الإيمان والعمل والتفكير بطرح الأحزاب وليس بطرح العشيرة. كأن لسان حال هؤلاء المفسرون يقول بتقدمية الأحزاب ورجعية العشائر ولولا العشائرية وهي العقبة الكأداء لتقدمت الأحزاب وصار لها شأن كبير. وهي بمثابة دعوة للقفز عن العشائرية وتهميشها مخالفين قول خالقنا بسورة الحجرات ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (13). كما أنهم يتناسوا أن العشائر لن تسمح بتجاوز إرثها الذي قام على أساسه تشكيل الدولة.
وإن لم يعجب هذا الطرح البعض, فهو حقيقة قائمة نتمنى ألا تتطور إلى مواجهة بين الحزبية والعشائرية لتاخذ صورة التنافس بين ما يسمى بالحداثة والجمود. وما سينتج عن هذا التنافس إذا غذي بخبث, سيكون الوقود الذي يشعل نارا يصعب علينا مكافحتها. نسأل الله أن نرقى بهمّ الوطن ونبتعد عن الصغائر التي تعيق المسيرة ولننتبه لتوفير العلاج للعلل التي قوضت قوانا واستنزفت طاقاتنا. عندنا البرامكة وأصحاب اللوبيات والذين يعملون بنظام التحكم عن بعد دون أن تظهر أسماءهم لكن أثرهم واضح ومؤثر, فيجب أن يكونوا على سُلّم الأولويات التي تتطلب منا جميعا الوقوف بصلابة للخلاص منها ليحل مكانها الغيارى أصحاب الحق بالإستشارة والإدارة لأن الأرض لا يحرثها إلا عجولها.
على الأحزاب أن تنظر لهذه الثقافة وهذا النقد وهذا اللوم بالمجمل أنها حوافز ودوافع لإثبات أنها ذات برامج فعالة تأتي بحلول وذات رؤى بعيدة عن المثالية وقريبة من الواقع الذي يعيشه الناس ببواديهم وأريافهم ومدنهم. ونتوقع منها أن تبتعد عن التنظير المغرق بإضفاء صفة الألوهية على نهجها العام. ويمكن لبعض الأحزاب المتقاربة بالرؤى والأهداف أن تندمج تحت مظلة واحدة أخذا بأن الإزدحام يعيق المسير, إرتقاءا بروح المسؤولية الوطنية والتركيز على الروح المفضية للعمل وليس للبروز والظهور.
الأحزاب اليوم مدعوة لتقترب من الناس وتتحسس طموحاتهم ولا تنتظر من الناس أن تقبل فاتحة ذراعيها. الأحزاب تدعو للتغيير والإيمان برسالتها فعليها التوجه للناس وطرح ما يداعب أمانيهم ويحاكي طموحاتهم ويحقق حاجاتهم. أما أن يكون الهدف تحصيل الدعم المادي الحكومي لينفق على مؤسسي الأحزاب وينظر للحزب على أنه أداة تنادي “نحن هنا”, فذلك سيعزز من فكرة أن الأحزاب كينونات ديكورية تجميلية تسر الناظرين لكن مضمونها لا يلقى الترحيب والتأييد.
ضعف الأحزاب نرده لأسباب ثلاث. أولها, وجود المناخ العام الذي صنعته الدولة لقناعات سبق ذكرها مما أنتج السبب الثاني المتمثل بعزوف الناس عن الإيمان بالأحزاب لاكتفاء شر التصادم مع الجهات الأمنية التي يمكن أن تفعل فعلها. أما السبب الثالث فهو نتاج السببين السابقين فوُلدت أحزاب ضعيفة وقاصرة معتمدة على مؤسيسها بالدرجة الأولى وتنقصها القواعد. ما يدعم فهمنا هذا, حركة الإخوان المسلمين ذات القاعدة العريضة والتنظيم الدقيق والتراتبية والمناخ الحر والدعم من قبل الدولة هي الاسباب التي جعلت منهم حزبا له حضور قوي ويحسب له الحساب.
فالذهنية الأردنية التي تنشأت على ممنوعية الأحزاب وتلقنت أن الأحزاب تعني الخراب, لا نتوقع منها بمدة عشرين عاما أن يتولد لديها ثقافة حزبية وإيمان بأن الأحزاب هي التي تضع البرامج الإصلاحية وتقود الناخبين وتصوّب الحكومات. التنشئة والتلقين القائمان على مفهوم ظلامية الأحزاب طيلة السبعين سنة الأولى منذ تأسيس الدولة ما زالا يلقيان بظلالهما على الذهنية الأردنية بعدم جدوى الأحزاب. وهذا بحد ذاته يعد تحديا للقائمين على الأحزاب للعمل على خلق ثقافة حزبية تجعل الناس يؤمنوا بالعمل الحزبي كأداة فاعلة للمشاركة مع الدولة للإرتقاء بمؤسسات المجتمع المدني التي تصب بالنهاية بمصلحة الوطن والمواطن وقطع الطريق على الحكومات كي لا تنفرد بالتخطيط والقرار بغياب الأحزاب التي قوامها أفراد المجتمع.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com