جرس إنذار
الاختلالات لدينا تتعاظم يوما بعد يوم، والكل يتفرج، باعتبار ان الامر لايخصه ابدا، فلماذا يخصه؟، مادامت النيران لم تقترب من ثوبه شخصيا!!. آخر المهازل التي نسمع عنها، تتعلق بذهاب طلبة اردنيين لتقديم الثانوية العامة في السودان، تهربا من «التوجيهي» الذي بات لدينا بمثابة عقوبة للعائلة وللطالب، فوق ان النجاح فيه يأخذنا الى عقوبتين، الاولى كلفة التعليم في الجامعات ماليا، ثم كلفة البطالة والجلوس مثل النائحات في البيوت بلا وظيفة في هذا الزمن. سابقا كان الطلبة العرب يهربون من ديارهم لتقديم الثانوية العامة في الاردن، حين كان التعليم لدينا من السهل الممتنع، بحيث كان خريج الثانوية العامة الاردنية، وحتى خريج الجامعة مضربا للمثل، لكننا اليوم امام مشهد مختل، فمصاعب الثانوية العامة والجامعة، من ناحية التخرج والكلفة، تأخذنا الى خريج ضعيف وغير منافس ولامستقبل له، وهي معادلة مثيرة حقا، فكلما زادت المصاعب والعراقيل، خرج علينا طلبة وطالبات اكثر ضعفا. لقد قيل مرارا، إن الأوان قد آن لمراجعة موضوع الثانوية العامة ثم ملف التعليم العالي، لان الثانوية العامة باتت بمثابة حاجز يتساقط عليه الخيل، وهو تساقط صناعي هدفه تقليل عدد الناجحين، لخفض عدد الذين يذهبون للجامعات، مثلما كانت الحال سابقا بحواجز دخول الجامعات، عبر المعدلات المرتفعة. وجد الاردنيون حلا مبتكرا، فالجامعات الاجنبية مفتوحة، ولدينا هنا جامعات خاصة، ومصاعب الثانوية العامة تم حلها بثانوية عامة سودانية معترف بها، وتؤهل صاحبها لدخول اي جامعة خاصة في الاردن او بعض الدول، لكن في غمرة الحلول التي يبتكرها الناس تتجلى نقاط الضعف في التعليم المدرسي والتعليم العالي. اذا كان الطلبة غير مؤهلين للنجاح في الثانوية العامة الاردنية ببساطة، فهذا ربما يؤشر على خلل في قدراتهم او اهتمامهم، لكنه يؤشر على خلل اعمق واخطر في بنية التعليم على مدى اثني عشر عاما في المدارس تكون نتيجتها صفرا مكعبا ورسوبا في الثانوية العامة، فالمسؤولية مشتركة بين الجميع هنا. لم تجد كل السياسات لدينا حلولا مقنعة لمشاكل البلد، غير الحلول السهلة، اما تصعيب الحياة على الناس، او سياسات الجباية، فلا تجد عبقريات لدينا قادرة على اعادة انتاج مجمل المعادلة بحيث تكون اكثر عدلا، ومنطقية، وبحيث لانسمع عن خريجي ثانوية عامة من السودان، او اصحاب مهن اخرى حساسة تخرجوا في جزر الواق واق، بحيث تعود كل هذه البضاعة الضعيفة الينا. الاولى ان يطلق سفر طلبة اردنيين الى السودان للحصول على الثانوية العامة، جرس الانذار في كل المؤسسات التعليمية، فالقصة لا تعكس ضعفهم وبحثهم عن مخارج، لكنها تعكس عقدة بنية التعليم لدينا، وهي ذات العقدة التي تمتد حتى التعليم الجامعي وما بعده.