التحريض القديم
.. انهم يطردون السوريين، ثم يحرضونهم على الذين فتحوا أبوابهم لاستقبالهم:
كنت استمع الى اذاعة لندن ليلة السبت – الاحد في برنامج فهمنا منه انه يستقبل رسائل، ويجري حوارات مع مستمعيه في جميع انحاء العالم. كنت استمع للبرامج نظرياً: لكنني كنت استمع الى تحريض سام على كل الدول التي تؤوي السوريين، ومن مستمعين سوريين. وكان احدهم من الاردن ويتذمر من المعونة التي تبلغ عشرة دولارات.. ماذا يفعل بالعشرة دولارات، واين تذهب المليارات؟.
.. طبعاً لا أحد يستبعد ان يكون بعض هؤلاء من انصار النظام ذاته، وظيفتهم استغلال التواصل الاجتماعي. ولكن قصة العشرة دولارات هذه يمكن ان تكون صحيحة ولكنها تصرف لكل واحد في العائلة اللاجئة. فاذا كان معدلها خمسة افراد – وهم اكثر – فان ما يصل العائلة خمسون دولاراً يومياً. واذا كان اثنان يعملان منها بعشرين دولاراً فان الحصيلة هي تسعون دولاراً يومياً.. 2700 دينار شهري.. وهذا معدل اكثر كثيراً من دخل العائلة العفيفة الأردنية.
الخطورة، هي هذا النمط من التحريض الذي يرد من اذاعة «محايدة» هي اذاعة لندن. فماذا عن فيس بوك وتويتر وعشرات محطات التواصل الاجتماعي؟.
لقد شاعت اساليب هذا التحريض في الأوساط الفلسطينية مع الأسف، بعد كارثة 1948، و1967 وادى ذلك الى كوارث قومية فقدنا اثرها مؤسس المملكة، وارفع ثلاث رؤساء وزارات اغتيلوا «ثأراً لفلسطين»، ووصولنا عام 1970 الى ما يشبه الحرب الأهلية، لان هناك تحريضاً استبدل اسرائيل بالأردن، او بسوريا او بمصر او بالعراق.
ان نجاح انظمة المسالخ البشرية في تحريض الخراف على رعاة الخلق، والحق والعروبة. هو عمليا تحريض الجانب العاجز من الانسان، والجبان وغير العاقل. وكما نجحت انظمة لم تقدم للقضية الفلسطينية غير الهزائم والنكسات، في تغيير الهدف من العدو الحقيقي الذي احتل وشرّد وقتل الى عدو اسهل.. عربي يمارس الاخوة والكرامة والنجدة. فان نظام الاسد يحاول اقناع الملايين من مشردي شعبه بان عدوهم هو اوروبا واميركا وعرب الاردن ولبنان وكل من يمد يد العون للاجئ السوري، لانه كما يقول احدهم في الاذاعة البريطانية: يهينون السوريين بالمليارات التي يقدمونها اليهم. لان هؤلاء، وليس النظام، هم وراء كارثة الشعب السوري.
والخلاصة، ان هذا التحريض يجب ان نتنبه اليه اكثر من داعش.. لانه يعيش بيننا.. ويتحول كلما تزايدت الصعوبات الى قنابل موقوتة يمكن ان تنفجر في وجوهنا.
لقد نجح التحريض في ابراء ذمة اسرائيل من الكارثة الفلسطينية، والصاقها بالعرب.. وبالعرب الذين قاتلوا، والذين ضمّدوا الجِراح، وللذين فتحوا قلوبهم وأبوابهم في وجه اخوانهم، والنظام في سوريا لم يعد يحكم، لكنه قادر على الأذى .