0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

دوامة غير مسبوقة هزت ثوابتنا

دوامة غير مسبوقة هزت ثوابتنا
راتب عبابنه
التحليلات والتعليقات والمقابلات والتفسيرات التي أعقبت ما نقله الصحفي الأمريكي غولدبيرغ منسوبا لجلالة الملك لم تكن مسبوقة بتاريخ الأردن من حيث كم النقد الذي استند على التصريحات الملكية التي تم تناولها من قبل الكثير على محمل التصديق معتمدين على هزالة وضعف وتسطيح الأمر من قبل البيان الصادر عن الديوان الملكي الذي نفى العديد من المغالطات وليس جميعها التي وردت بالتقرير الذي امتد إعداده لشهور من المقابلات والمرافقات والجلسات.
ما يلفت نظر المراقب بهذا الشأن أن هناك فريق يحاول التخفيف من وطأة التصريحات التي أدخلت الجميع بصدمة وذهول بتصنيفها مادة موجهة للغرب خصوصا الجزئية التي تتحدث عن الرغبة بزيادة التمثيل الفلسطيني بمؤسسات الدولة. وقد فسرت هذه الجزئية بأنها محاولة من الملك بالبقاء على مسافة واحدة من الجميع. وهذا الطرح يفهمه المواطن الأردني من شتى الأصول على أنه توطئة ووضع حجر أساس في الرصيف المؤدي لما دأب الشعب الأردني بمكونيْه على محاربته ومؤداه التوطين على حساب الحق التاريخي والشرعي للفلسطينيين بإقامة دولتهم على ترابهم.
وهذا التفسير يدعمه رأي جلالة الملك وقناعته أن حل الدولتين أصبح صعب المنال رغم مطالبات جلالته المتكررة بذلك. وهذا ما جعل التصريحات تفهم على أنها تأتي بهذا السياق الذي أخاف الشعب الأردني وفتح الباب على مصراعيه ليخوض الجميع ويغوص في بحر الإستنتاجات وزاد الناس رعبا من القادم.
صار الأمر بحاجة ماسة للشرح والتوضيح حتى لا يبقى الناس يعيشون بدوامة من القلق على مستقبلهم وليخرجوا من حالة التوتر والتوجس التي انعكست على الشارع وترمي بظلالها على النظرة العامة للمعارضة الموحدة والفردية من خلال البيانات الحادة اللهجة وربما غير المسبوقة والموجهة لرأس الدولة. وقد سبق وأبدينا رأينا وقدمنا نصحنا بخصوص الإستمرار بالنهج القائم على التعويل على الولاء الفطري. وطالبنا بتدارك الأمر من خلال التغيير القائم على الإقرار بتطور الوعي لدى الأردني الذي لم يعد يؤمن بأدوات الإدارة التقليدية بل هو وعي يرقى للحدث والمتغيرات ويربطها ويبني موقفه بناءا عليها.
التغيير كان يجب أن ينسف النظرة التقليدية لولاء العشائر الفطري, ومُطالب بالتماشي مع التحولات التي تدفع بالمواطن الواعي أن يتحول ويتغير بتقييمه نزولا عند الواقع. وها هي النظرة التي اعتمدت الصورة النمطية للعشائر واعتبرتها تحصيل حاصل, قد ثبت أنها جاءت بنتائج عكسية. العالم متغير والأردنيون جزء من هذا العالم فلا مناص من الإيمان والإقتناع بأن التغير سيرمي بظلاله على الأردنيين بعشائرهم أيضا. كانت هذه النظرة غير الواقعية التي استثنت العشائر من التأثر بالمتغيرات العالمية هي الثغرة القاتلة التي تدفقت منها السلبيات والمغالطات والأوجاع وانكشف منها المستور. وهي أيضا نظرة قائمة على فهم خاطئ لم يترك مجالا بأن الذي لا يتغير هو الله سبحانه وتعالى.
لقد بتنا بحاجة لقرار سياسي لفلترة ما اعترى الكثير من مفاصل الدولة ومؤسساتها ونراه قد انعكس على الشعب والثوابت وجعلنا نعيش بدوامة من التشادد كل يدعي صوابية رأيه وسلامة موقفه وصلابة الأرضية التي يقف عليها. فالقرار السياسي العاجل والملح نتوخى به التصويب والتوافقية والإحترام القائم على أننا جزء فاعل ومتفاعل مع المتغيرات السلبي منها والإيجابي. كما نتوخى منه طي صفحة الإعتماد على تقليدية الولاء, إذ الولاء يقابله ولاء يضاهيه أو يزيد.
فعندما تتعرض هذه العشائر التي يتشكل منها المجتمع الأردني بالمقام الأول لما يخلخل كيانها وينال من كرامتها ويهمش دورها وهي تتكون من أفراد لهم عقول وليسوا مخلوقات منقرضة وتشعر أن بناءا جديدا يخطط لإقامته على أساس انقراضها, فإنه لا محالة ومن طبيعة دورة الحياة ستبدي رأيها وتقول ما عندها للحفاظ على كيانها وثوابتها كعشائر وبالتالي الحفاظ على الدولة والوطن الذي قام على أساس من تأييدها ومناصرتها وتوافقها وتلاحمها. وردة الفعل طبيعية ومتوقعة وإن لم تكن متوقعة من قبل الرسميين فذلك يعني قفزا عن الحقائق وتجاوزا للواقع ويخدعون أنفسهم وليس لديهم هامشا بأخذ ردة الفعل العشائري بالحسبان وهذا يفسر النظرة المستخفة بعقل المواطن والتي ما زلنا نعاني منها.
الشارع الآن يمثله فريقان: المعارضة التقليدية المنظمة حزبيا, والأخرى المعارضة التلقائية ( التي ينظر لها كصاحبة ولاء فطري) المتمثلة بالزخم العشائري والتي تولدت لديها القناعة بالتهميش والتجاوز نتيجة الولاء الفطري. وما يعزز هذه المشاعر والقناعات أنها تتنامى في ظل صمت مطبق من قبل النظام والدولة مما خلق مجالا أرحب لدى المراقبين بالمزاحمة للدخول بدوامة التوقعات وتقدير التبعات والخروج من مرحلة الصدمة لمرحلة التصديق الذي سيقود بالتالي لزعزعة الثقة التاريخية والعلاقة الطيبة بين سواد الناس والنظام. وما يمكن ان يعيد الوضع لسابق عهده, المبادرة بالفعل لا بالقول بما يمكن أن يعيد الصفو لدى الناس ويعيد الإعتبار للركائز التي يتألف منها قوام الوطن.
الصمت الرسمي مقابل الإندفاع الشعبي وانتظاره حتى يهدأ يعني تراكم أسباب الإحتقان والشعور بالغبن اللذان هما بمثابة لغم ما أن يتعرض لضغط ولو بسيط سرعان ما ينفجر. الإستهانة بمدى الخطر تعني توجيه الضغط نحو اللغم فلنستعمل مجساتنا التي تشير لوجود ألغام قابلة للإنفجار, سائلين المولى ان يتم التدارك وتُفعّل الحكمة حتى نتحاشى ما ليس بصالحنا.
لقد سبق وطالبنا بنشر أو إذاعة التسجيل الذي يحتفظ به الديوان الملكي لتنجلي الحقيقة ونطوي هذه الصفحة الجديدة والمتجددة. والإحجام عن النشر يفهم منه شهادة بصدقية ما نشر لغاية الآن على أقل تقدير. والخطورة تكمن بأن ما جاء بالمقابلة يمس غالبية الأردنيين بحال صدقه ويمس رأس الدولة بحال كذبه. فهو لم يستثني من الهجوم إلا الجيش والمكون الفلسطيني.
وهذا يجعلنا أمام استحقاق تساؤل كبير حول خطورة ما يجري وسيجري على الأردن كوطن وكيان وشعب مضافا له مصير القضية الفلسطينية وما يتعلق بها من عودة وتعويض وقيام دولة. فهل نحن بصدد تشكل معالم مرحلة جديده إنقلابية تنسف ثوابتنا وتحارب تطلعاتنا وتقتل أمانينا باسم عرقلة المخابرات للتقدم نحو الحلول التي ترضي الغرب وأن الديناصورات العشائرية تعمل بنفس الروح؟؟
المغفور له الحسين اكتسب بريقه العالمي وحضوره الدولي بعد أن كان لمعان نجمه بين أهله وشعبه الذين كان يكن لهم أرقى صور الإحترام والتقدير والنظر لهم ركائز وثوابت لا يمكن تجاوزها وتجاهلها وتهميشها. وكان حضوره الداخلي بين العشائر جزء لا يتجزأ من إيمانه بأنهم هم السند الحقيقي والداعم المستديم والمؤيد الفطري. وكان هذا الإيمان يقابله إيمان بوحدة الحال والقرب وأن ما يصيب مليكهم يصيبهم لأنهم لم يشعروا يوما بأنه بعيد عنهم بل منهم وإليهم. وهذا يقودنا للقول أن البطانة كانت صادقة ومخلصة ومنضبطة وليست منفلتة مما جعل من النظام والشعب صنوان لا ينفصلان.
أما وقد تبدل أولئك الصادقون المخلصون بغيرهم من برامكة ودخلاء وما حازوه من الثقة، فهوالذي خلق فجوة ليست بالصغيره تحتاج للعمل الدؤوب لإعادة اللحمة التي اعتدنا عليها. وما حرب الخليج الثانية وموقف الملك الباني منها إلا خير شاهد على التلاحم بين القيادة والشعب رغم ضخامة التبعات والإستحقاقات التي ترتبت على ذلك الموقف التلاحمي الشجاع.
نسأل الله أن لا تصدق توقعاتنا ولا ينجح تآمر المتآمرين وأن يعيد صفونا وأن يندمل الجرح ويلتم الشمل من جديد بصحوة من الجميع لتصويب المسار الوطني وتقوية الثوابت الوطنية وتعزيز المرتكزات التي يؤمن بها أبناء الأردن.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com