“بغداد 2” في البحر الميت هل تحيي العراق؟
د. منذر الحوارات
منذ عقود ثلاثة والعراق أسير للصراعات والتجاذبات الدولية والإقليمية لم يهدأ له بال، فذاق هو والإقليم مرارة الصراعات وعرف معنى التشرد واللجوء، فمنذ اللحظة الأولى لإسقاط الدولة فيه والتي دشنتها الولايات المتحدة بطريقة فظة تغيب عنها الحكمة والوعي ولأسباب واهية وغير عقلانية، أدخلت المنطقة في فراغ خطير للقوة بسبب زوال تأثير القوة العراقية من توازنات الإقليم، وهذا الأمر أثار لعاب القوى الإقليمية المتربصة والتي كانت قوة العراق تشكل رادعاً لها فسارعت لنيل حصتها من الكعكة العراقية فلم يكذبوا خبراً، فاندفعت إيران مثل الصاروخ لنيل حصتها واعتمدت على موروثها الطائفي لتبرير مطالبها واستندت تركيا إلى إرثها التاريخي، أما العرب فقد كانت مجموعة من التفجيرات في سفاراتهم كافية لجعلهم يولون الأدبار دون أدنى اهتمام بحجم الخسارة التي سيتكبدونها لاحقاً، ألا وهي العراق بكل ما له وعليه.
منذ اللحظة الأولى أدركت ايران أن العراق هو حصتها الإستراتيجية وأنه مجالها الحيوي الذي يجب ألا تتنازل عنه مهما كانت الظروف والتضحيات، فكان لزاماً عليها أن تبدأ بتصفية الآخرين أو أن تتفاهم معهم، فعقدت مع تركيا مجموعة من التفاهمات تضمن مصالحها التجارية، إذ قلما وجدنا تركيا تعترض على فعل ايراني في العراق والعكس صحيح، أما العرب والذين كما ذكرت قامت بإرعابهم بمجموعة من الأعمال العدائية أشعرتهم بأن الشعب العراقي كاره لهم ولا يحبذ وجودهم وكان المذهل سرعة استجابتهم ومغادرتهم. تبقّى لدى الإيرانيين الخصم الأقوى والذي تبنى نظرية مستحدثة ولكنها عبثية فحواها أنه يجب فرض الديمقراطية بالقوة، كان الإيرانيون يدركون سذاجة هذه المقولة ولكنهم مع ذلك استثمروها ضد مطلقيها إذ قاموا بإنشاء قوى سياسية موالية وتابعة لهم وذلك بعد فرضهم فكرة الأغلبية السكانية بدل الأغلبية الانتخابية والسياسية، وبهذه الطريقة هيمنوا على العملية السياسية الى الأبد.
ولاحقاً وفر تنظيم داعش الغطاء للهيمنة العسكرية فشكل الايرانيون تنظيمات عسكرية تابعة لهم، والغريب والملفت أن هذه السيطرة ترافقت مع بداية الانسحاب الاميركي من العراق مما ترك الساحة خاوية إلا من إيران وكأن أميركا سلمت العراق لإيران على طبق من فضة، هذه الهيمنة الإيرانية المطلقة أطلقت شرارة الرفض والامتعاض لهذا الوجود حتى بين أشد الساسة الموالين لإيران، لكن ايران استطاعت أن تحطمها في كل المرات وتوجت هذه المحاولات بأحداث تشرين والتي كان يفترض أن تُغير المعادلة لكنها أجهزت عليها وأحبطتها ولاحقاً حركة الصدر، وتمكنت إيران بطريقة جهنمية أن تضع شرعيته على المحك عندما جعلت المرجع الشيعي كاظم الحائري يتنحى، فلم تنفعه الأغلبية ولا أصوات الجماهير الهادرة، فآثر الانزواء قبل أن يخسر المزيد، وشكل العراق سابقة حينما شكل الخاسرون في الانتخابات الحكومة وكأنهم الأغلبية وهذه ليست المرة الأولى.
أما بالنسبة للعلاقة مع المحيط والعرب بشكل خاص فقد أدرك كل من ترأس الحكومة حجم الفسحة المتاحة له للتعامل مع الدول العربية، فهم كانوا يدركون أن ايران لا تريد العراق معزولاً تماماً بل تريده طاقة فرج لكن ضمن حدود ضيقة جداً وكل من حاول تجاوز هذا المسموح تمت الاطاحة به لذلك كانت علاقات العراق مع العرب تقاس بميزان المصلحة الايرانية وهذا الذي جعلنا نشاهد كيف يتم الإطاحة بالمشاريع المشتركة بين العراق والدول العربية على مذبح الرفض الايراني وحينما انطلقت قمة بغداد1 كمحاولة للنفاذ من الشباك الإيرانية وجدنا إيران تبطل قراراتها واحدا تلو الآخر، وفي بغداد 2 كانت إيران جاهزة للمساومة ولكنها لم تقدم لأحد إلا مطالبها ولم ترض بأي مطلب من الآخرين، فهي تدرك أن المنطقة لا تريد إحياء العراق لأجل الشراكة الاقتصادية بل الجميع يريده لإعادة ملء الفراغ الذي جعل إيران تتسيد المنطقة بعد أن ملأته وهي ستبني سدوداً عالية حتى لا يتحقق ذلك ويؤشر على ذلك انخفاض تمثيل بعض الدول الخليجية في بغداد 2 حيث لم يشاءوا إعطاء ثقة أكبر لحكومة يعتقدون أنها ولائية وتمثل مصلحة إيران لا مصلحة العراق.
إذاً لا يبدو أن قمة بغداد 2 ستحمل في جعبتها نتائج باهرة لكنها دون شك خطوة في الاتجاه الصحيح تعبر عن تضامن العرب والإقليم مع العراق رغم أن الجميع يدرك بأن الطرق على الباب الإيراني لن يؤدي الى فتحه وإنما يحتاج الى ما هو أكثر من الطرق حتى يتم خلعه. باختصار لأن احتكار العراق ومنعه من أن يتنسم رياح الحرية ستبقى المنطقة معبقة بالهواء الفاسد الذي برعت إيران في إنتاجه خلال العقود الأربعة. من هنا لن تشكل قمة البحر الميت سوى طاقة صغيرة يتنفس منها هذا البلد المكلوم بإيران لتبقيه على قيد الحياة ريثما…!!
الغد